الجنّة ، لأنهم كانوا خزنتها ، وكانوا يأتون الأعمال الباهرة العجيبة ، ومن ذلك قولنا : به جنّة ، أى يقول عجبا! فلما فسق إبليس عن أمر ربّه تبعته الجنّ ، فهؤلاء جنوده فى الآية : (وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ) (٩٥) (الشعراء) ، وغضب الله على إبليس وجنوده فمسخهم شياطين ، من شطن أى بعد عن الخير ، وصار إبليس هو الشيطان ، لبعده عن الحق وتمرّده ، وصار كل عات متمرّد من الجن والإنس شيطانا أو يقال له شيطان.
* * *
٧٠٩ ـ قالت المعتزلة : إبليس ما دخل جنة الخلد
المعتزلة على القول بأن الجنّة فى قوله تعالى لآدم : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) (البقرة ٣٥) ، المقصود بها البستان الذى بأرض عدن ، وأخذوا هذا القول عن اليهود : أن جنة عدن شرقا أعدّها الله فى الأرض لسكنى آدم وزوجته وجعلها كالبستان ، وأنبت فيها الشجر المثمر والزهور الطيبة ، وأجرى فيها الماء (التكوين ٢ / ٨) ، غير أن قول اليهود كان نتيجة خلو اعتقادهم أصلا من الجنة والنار فى الآخرة ، وعندهم الجنة والنار فى الدنيا وعلى الأرض ، والمعتزلة اعتقدوا فى الجنة والنار الأخرويين ، ولكنهم قالوا إن جنة آدم أرضية ومعناها البستان وليس المعنى المتعارف عليه. وحجة المعتزلة : أن جنة آدم لو كانت جنة الخلد لما وصل إليها إبليس أصلا ، فإنه تعالى يقول : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) (٤٥) (الحجر) ، وإبليس لم يتق الله ليستحق دخول الجنة. ثم إن ما قاله لآدم وحواء غواية والغواية من اللغو والتأثيم وهو تعالى يقول : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً) (٣٥) (النبأ) ، ويقول : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥) إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) (٢٦) (الواقعة). ولقد طرد إبليس من الجنة لما عصى ربّه ، فكيف دخل ثانية ليكيد لآدم وحواء ، إلا أن تكون الجنة المعنية هى جنة الأرض وليست جنة الخلد؟ وجنة الخلد يدخلها الداخلون فلا يخرجون منها لقوله تعالى : (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) (٤٨) (الحجر). ولو كانت جنة آدم هى جنة الخلد ما استطاع إبليس أن يكيد لآدم وحواء ويخرجهما منها ، فالجنة موضع مقدس عن الخطايا والمعاصى ، ومطهّر عنها ، وإبليس قد لغا فيها وكذب أكبر وأفدح كذبة فى الوجود ، والمعتزلة التى قالت بذلك أول فرقة انتصرت للعقل على النقل ، وأعملت العقل فى كافة النصوص الدينية ، فاعتزلوا أهل الجماعة والسنّة ، فقيل فيهم إنهم المعتزلة لهذا السبب ، وكان ذلك فى النصف الأول من القرن الثانى الهجرى. ويحبط أقوال المعتزلة أن الله تعالى عاقب آدم وحواء وإبليس وسائر المخلوقات بأن أمرهم بالهبوط ، وهو النزول من أعلى إلى أسفل ، يعنى من جنة السماء إلى الأرض ، فلا يصحّ أن يكون الهبوط من أرض إلى أرض!
* * *