يسألوا ويكرروا السؤال : متى هذه الساعة؟ قال : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١٨٧) (الأعراف) فكان سؤالهم عنها عظيما كسؤالهم أن يروا الله جهرة ، فاستوجب الأمر أن يكون الجواب عظيما ، قال : (عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) ، فلما سألوا نفس السؤال ، كان سؤالهم هذه المرة استهزاء ، فكان الجواب عليه استهزاء مثله ، كقوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (٤٤) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) (٤٥) (النازعات) ، فقوله (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها) كأنه تعالى يسأل النبىّ صلىاللهعليهوسلم : فى أى شىء أنت يا محمد من ذكر الساعة والسؤال عنها؟ وأين أنت من الساعة ، وأين هم منها؟ وكأنهم لما سألوه ، سأل بدوره ربّه ، فأنكر عليه ما ليس له أن يسأل ؛ أو كأنه أنكر عليهم أن يسألوه هذا السؤال وليس هو ممن يعلمه ، والعلم بالساعة علم بالغيب ، ولا يعلم الغيب إلا الله ، فإن لم يعلم محمد عن الساعة فليس بالجاهل ، وإنما الجاهل من قصر علمه عن المعلوم لغيره ، والأنبياء دورهم فى الرسالة هو النذارة لمن يخافون الساعة ، ولذلك فهم يتّبعون الذكر ويخشون الله بالغيب ، واليهود والمشركون سواء ، فلا هم يذكرون ، ولا هم يخشون الله والآخرة ، ولذلك لا يجدى معهم أن يكون للسؤال جواب ، فلم يقل فى الجواب «قل» كغيره ضمن باب «يسألونك» ، واكتفى بالتبكيت والتوبيخ. ويعدّ باب «يسألونك» من أبواب السؤال الهامة ، ويحفل بالتعليم ، وفيه يعلمنا عن الغنائم أو الأنفال وغيرها ، كقوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) (١) (الأنفال) ، (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) (٨٥) (الإسراء) ، وعن تاريخ بعض الشخصيات : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ) (٨٣) (الكهف) ، وعن تكوينات الطبيعة فى الآخرة : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً) (١٠٥) (طه) ، وبعض ما نتعلمه من الغيب هو من أبواب التعلّم بالسؤال ، وبعضه من الفقه.
ومن أقوى الحجج فى القرآن أن يكون دحض الفرية أو إسقاط الحجة ، بإحالة صاحبها إلى شاهد يسأل فيها فيشهد بتهافت ما يقال ، وصيغة ذلك «اسأل» ، و «اسئلوا» كقوله : (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ) (٩٤) (يونس) ، وقوله : (فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) (١٠١) (الإسراء) ، وقوله : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ) (١٦٣) (الأعراف) ، وقوله : (فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) (٦٣) (الأنبياء) ، وقوله : (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ) (٢١١) (البقرة).
ومن الأمثال الجارية مفتتحة بالسؤال ، قوله : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٤٣) (النحل) ، وقوله : (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ) (٤٠) (القلم) ، والزعيم هو القائم بالحجة والدعوة. وفى مجال التبكيت والتوبيخ يأتى السؤال : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ