الصلاة ، ولكن لأنه فى باطنه كافر وإن أظهر التقوى شكلا ، فإنه يسهو دوما عن الصلاة ، فلا يصليها لوقتها ، ولا يتذكر هل أتمّها أو لم يتمها ، وهل سجد سجدة أو سجدتين ، ولا يهمه إن تركها ، ولا يعتقد أن لها أجرا ، فصدق عليه قوله تعالى : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) (٥٩) (مريم) ، وقوله (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) (١٤٢) (النساء) ، ولو كان الكلام فى السورة عن الساهين عن صلاتهم فقط ، لكان المقصود بهم المؤمنون ، ولكنه حدّدهم فقال : (الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) ، فنعلم أنهم المنافقون. والسهو «عن» الصلاة فعل المنافقين ، وأما السهو «فى» الصلاة فهو فعل المؤمنين ، لأنه ما من مؤمن إلا ويسهو «فى» صلاته ، والسلامة من السهو محال. والمنافقون يصلون تقيّة ، ليقال أنهم يصلون. والمراءاة أو النفاق أسلوب حياة ، يمارسه المنافق إذا لبس ، أو صلّى ، أو تصرّف مع الغير. والمنافق فى مجال العلم يتعالم. والإظهار نفاقا أو رياء ليس كالإظهار لصالح الأعمال. والرياء : هو طلب الشهرة والسّمعة. وكلمة رياء تعنى : أن يرى الناس بعيونهم المصلّى وهو يصلّى ، فيثنون عليه. والصلاة كفريضة فيها العلن ، ولكن الزكاة تفعل سرّا ، ولهذا يظهر المرائى الصلاة ويمنع الزكاة ، وهو معنى : (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) (٧). والماعون هو الزكاة ، فلو خفيت الصلاة كما خفيت الزكاة ، ما صلى المراءون. وقيل الماعون إطعام الطعام ، أو هو المعونة أيا كانت.
* * *
٦٩٠. سورة الكوثر
السورة مكية ، وآياتها ثلاث ، وكان نزولها بعد «العاديات» ، وترتيبها فى المصحف الثامنة بعد المائة ، وفى التنزيل الخامسة عشرة ، وكان الرسول صلىاللهعليهوسلم قد توفى ابنه القاسم فشمت فيه الكفّار ، وتحدّثوا بأنه قد صار أبتر ، أى منقطع الولد ؛ وقيل : إن الذى وصفه بذلك العاص بن وائل ؛ وقيل : عقبة بن أبى معيط ، أو أبو لهب ؛ وقيل : أبو جهل ؛ وقيل : إن قريشا لمّا أوحى إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم ودعا إلى الله ، قالوا : انبتر محمد ، أى انقطع عنا وخالفنا ، فنزلت السورة تخبر أنهم هم المبتورون ، وأن من يكرهه ويكنّ له البغض هو الأبتر ، بتر نفسه عن رحمة الله. ويناسب ذلك أن يخير الله تعالى نبيّه بأنه فى المقابل قد أعطاه نقيض ما ذكروا عنه ، وهو الكوثر ، أى كثرة الأصحاب والأتباع ، والمؤمنين برسالته إلى يوم الدين ، وهؤلاء فى كل أنحاء العالم لا يعدّون ولا يحصون ، وكلهم إذا ذكر اسمه تلهج ألسنتهم بالصلاة والسلام عليه ، ويحيون سنته. والكوثر فى لغة العرب : هو الشيء الكثير : يقال : عنده المال كوثرا ، وهو رجل كوثر ، أى خيره عميم. ومن قال : إن الكوثر