(القمر) ، ويركب بعضهم بعضا كالغوغاء فى يوم زحام ، ولا تقرع القارعة الناس وحدهم ، ولكنها تقرع الكون كله أى تضربه ، فهى القارعة لأنها تقرع بالدواهى ، وتصيب بالنوازل ، فالجبال الصلبة تتداعى تحت قرعاتها ، فتصبح كالعهن المنفوش ، أى الصوف المندوف المتطاير والمنتثر. وفى ذلك اليوم ينقسم الناس قسمين ، ويكونون صنفين ، فمن ترجح أعماله الصالحة وتثقل موازينه ، فقد فاز بالعيشة الراضية ، وكانت له جنة النعيم خالدا فيها ، ومن تقلّ حسناته وتخفّ موازينه ، فأمّه هاوية ، والهاوية هى جهنم ، سماها «أمّا» لأنه يلتصق بها وتضمه إليها وكأنها أم تضم صغيرها ؛ وسميت «هاوية» لأنه يهوى فيها ، كالذى يهوى من حالق إلى القاع. ويتساءل تهويلا : وما الهاوية؟ ويجيب : هى النار الحامية التى لا تقارن بها نار الدنيا. وفى الحديث : «إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم» ، وقوله صلىاللهعليهوسلم «سبعين» إنما للتمثيل ، والعرب تتمثل بالأعداد سبعة ، وسبعين ، وألف. وفى حديث آخر ، قال عن نار جهنم : «أوقد على النار ألف سنة حتى احمرّت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضّت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودّت ، فهى سوداء مظلمة» ، والحديثان لتقريب صورة النار ، وإلّا فلا شىء يشبهها من نار الدنيا! والسورة عموما لبيان قدر الحق والباطل ، فإنما يثقل ميزان من يثقل ميزانه ، لأنه يضع فيه الحق ؛ ويخف ميزان من يخف ميزانه ، لأنه يضع فيه الباطل ، وحقّ لميزان يكون فيه الباطل أن يكون خفيفا ، وحقّ لمن خفّ ميزانه أن يكون مصيره النار!!
* * *
٦٨٤. سورة التكاثر
السورة مكية ، وآياتها ثمان ، نزلت بعد الكوثر ، وترتيبها فى المصحف الثانية بعد المائة ، والسادسة عشرة فى التنزيل ؛ وموضوعها انشغال الناس بالدنيا وانصرافهم إليها ، إلى أن يأتيهم الموت بغتة فينقلهم من القصور إلى القبور كقول القائل :
الموت يأتى بغتة |
|
والقبر صندوق العمل |
والتكاثر فى قوله تعالى (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) (٢) : المباهاة بالمال والأولاد والأهل ؛ وتكاثر الأموال هو جمعها من غير حقّها ، ومنعها من حقها ، واكتنازها فى الأوعية. وفى الحديث فى معنى «ألهاكم التكاثر» : «يقول ابن آدم مالى مالى ، وإنما له من ماله ثلاث : ما أكل فأفنى ، أو لبس فأبلى ، أو تصدّق فأمضى ، وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس» صلىاللهعليهوسلم وعنه صلىاللهعليهوسلم قال : «يهرم ابن آدم ويبقى معه اثنتان : الحرص والأمل» ، وعنه أيضا قال : «يتبع الميت ثلاثة ، فيرجع اثنان ويبقى معه واحد : يتبعه أهله وماله ، يبقى عمله». ولم يأت