وهى ثلاث حكم متتابعة ، وكان نزولها بشارة للنّبى صلىاللهعليهوسلم بأن السرية التى بعث بها إلى بنى كنانة حققت المطلوب منها ، ونجحت فى غزوها ، وأن فرسانها كانوا أبطالا ، وخيلهم كانت آية من آياته تعالى ، وكانت أخبار هذه السرية قد أبطأت حتى أن المنافقين روّجوا أنها أبيدت عن آخرها. والكنود صفة عامة من صفات الإنسان ، وتعنى أنه كفور بنعم الله ، ومن دأبه أن يعدّ المصائب وينسى النّعم ، وأنه يشهد على ذلك بنفسه ويقرّ به ، ويظهر كنوده فى أقواله وأفعاله ، وقوله تعالى : (وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) (٧) كقوله : (شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ) (١٧) (التوبة) ، والكفر هو كفر النّعم ، ومنه أن يشهد الإنسان على نفسه بحبه الشديد للمال ، والخير فى الآية ، كقوله : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (٨) هو المال ، يحبه حبّا جمّا ، ويجهد فى جمعه ، ويحرص عليه ويبخل به ولا ينفقه فى سبيل الله. وهذه الحكم الثلاث تعقيب على حال الذين نكصوا عن القتال ولم يسهموا فيه. والجهادية أو الحربية فى السورة لها شقان ، أحدهما المشاركة فى القتال والغزو بالنفس والبدن ، والثانى المساهمة بالمال لمن لا يقدر على القتال لمرض أو عجز أو زمانة ، والمسلم الجهادى هو من يضحى بالنفس والبدن والمال معا. والآيات الخمس الأولى من سورة العاديات فيها البشارة بالنصر ، والفرحة بالعزة ، بينما الآيات الست الأخيرة فيها التوبيخ للمنافقين الذى يبخلون أن ينفقوا فى سبيل الله ، والإخبار بأنه تعالى يعلمهم فيجازيهم أوفى الجزاء يوم القيامة. نسأل الله العافية ، وله الحمد والمنّة.
* * *
٦٨٣. سورة القارعة
السورة مكية ، وترتيبها فى المصحف الواحدة بعد المائة ، وفى التنزيل الثلاثون ، وكان نزولها بعد سورة قريش ، وآياتها إحدى عشرة آية ، وموضوعها : القيامة بأهوالها ، والآخرة بأفزاعها ، وتستهل بسؤال عن القارعة : ثم يأتى التعريف بها من خلال الجواب. وطريقة التعليم بالسؤال والجواب Katechismus (D.) ;Catechese) F. (;Catechism) E. (من الطرق التعليمية للقرآن ، وقوله (الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ) (٣) أبلغ استهلال لبيان عظم شأن هذا الحدث الذى لا يمكن أن يتصوره خيال. وتكرار القارعة ثلاث مرات من باب التهويل والتشويق لمعرفة ما يكون عن الكون والناس بسببها ، فأما الناس : فعند نزول القارعة ينسلون من الأجداث متفرقين فزعين كأنهم الفراش المبثوث. والفراش هو الهمج الطائر من هوام وجراد وغيرهما ، شبّه الناس بّه يوم الحشر ، لأنهم يبعثون يموج بعضهم فى بعض : (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) (٧)