السور المكية. ولمّا نزلت واستمع لها أبو بكر بكى ، فقال له النّبىّ صلىاللهعليهوسلم : «لو لا أنكم تخطئون وتذنبون ويغفر الله لكم ، لخلق أمة يخطئون ويذنبون ويغفر لهم ، إنه هو الغفور الرحيم».
* * *
٦٨٢. سورة العاديات
السورة مكية ، وآياتها إحدى عشرة ، وكان نزولها بعد سورة «العصر» ، وترتيبها فى المصحف المائة ، وفى التنزيل الرابعة عشرة ، وفيها يقسم الله تعالى بخيل المجاهدين يغزون عليها ،. والعاديات جمع عادية ، من عدا يعدو عدوا ، يعنى جرى وركض. وقيل : أقسم الله تعالى بنبيّه صلىاللهعليهوسلم ، فقال : (يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) (٢) (يس) ، وأقسم بحياة نبيّه صلىاللهعليهوسلم ، فقال : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (٧٢) (الحجر) ، وفى هذه السورة يقسم بخيله صلىاللهعليهوسلم فى القتال ، فقال : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (١) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (٢) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (٣) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (٤) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) (٥) ، والسورة تنبيه إلى الروح الجهادية عند المسلمين ، وتهييج لها عند الزحف ، والمستشرقون على أن الساميين ليسوا حربيين ، والسورة عكس ذلك تماما ، والأحرى أن يقال : إن المسلمين جهاديون. ومحبة الجهادى أو الحربى لفرسه كمحبته لروحه ، ووصف الخيل خلال الغزو صورة سينمائية بانورامية فريدة ، ولنا أن نتصور الخيل تعدو بالفرسان وتضبح ـ أى تتنفس بقوة بلا صهيل حتى لا يحذرها العدو ، وتضرب بحوافرها الأرض ، فينقدح الشرار ، ويثار الغبار ، ثم إنها لتسرى فى الليل ، وتغير على العدو صبحا ، وتقتحم صفوفه وتتوغل فى بلاده ، ويفاجأ بها وبفرسانها وقد صاروا وسط جمعهم. والسورة تذكير بهذه النعمة الجلىّ ، نعمة الخيل فى الحرب ، ولكن أنّى للإنسان أن يتفكّر ويتدبّر نعمه تعالى فى كل مجال ، ليشكره ويعبده وحده؟
وإن الإنسان لكفور بربّه ، كنود جاحد ، ولو سألته لأقرّ بكفره ، وشهد على نفسه ، فهو يعرف ما فيه وما جبل عليه. والسورة بدأت بذكر الجهاد ووسيلته الكبرى ـ وهى الخيل ـ فى الغزو ؛ والجهاد والغزو يكونان عن إيمان يحدوه الشكر والحمد لله والثناء عليه. وفى الجهاد تضحية بالنفس والمال ، ورباط الخيل جهاد بالمال ، والإنسان مفطور على الحب الشديد للمال ، يحوزه ويكتنزه. وختام السورة يذّكر بأن الآخرة لا ينفع فيها مال مما فى الجيوب ، ولن تعثر فى بقايا الأجداث فى القبور على أى مال ، إلا ما كان فى الصدور من نوايا وأسرار وأعمال ، يعرفها الله عن أصحابها معرفة المطّلع الخبير ، لا يخفى عليه منها خافية. وآيات السورة ـ وما فيها من صور ومشاهد ، صارت مأثورات تضرب بها الأمثلة كقوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (٨)