مصدّقا لما معهم أنكروه ، وما كان مطلوبه منهم إلا أن يعبدوا الله مخلصين له العبادة ، وأن ينصرفوا عن الزيغ والهوى ، ويتركوا المذاهب الباطلة ، والملل الضالة ، وأن يقيموا الصلاة وهى التى يصدق بها إيمانهم ، ويؤدّوا الزكاة التى تطهّرهم وأموالهم ، وتلك مقتضيات الديانة الحقّة. وتختم السورة بنذارة وبشارة ، فأما النذارة فللكافرين ، بأن مآلهم لجهنم ، لأنهم بكفرهم صاروا شرّ خلق الله ، وأما البشارة فللمؤمنين ، رضوا عن الله ورضى عنهم ، فمآلهم جنة الخلد ، وذلك جزاء كل من يخشى الله ويتّقيه حقّ تقاته.
ومن مصطلحات السورة : «أهل الكتاب» : وهم اليهود والنصارى ؛ و «المشركون» : قيل هم كفّار قريش بمكة ، والكفار عموما فى المدينة ؛ وقيل المشركون وصف لأهل الكتاب ، لأنهم لم ينتفعوا بكتابهم وتركوا التوحيد ، فالنصارى مثلّثة ، وعامة اليهود مشبّهة ، والنصارى يعبدون على الحقيقة المسيح فسمّوا المسيحيين ، لأنهم المؤمنون به ، وسمّوا النصارى لأنهم أتباع عيسى الناصرى ، أو لأنهم أنصاره ؛ واليهود ألّهوا شعبهم وأعظموا قدر أعراقهم ، وقالوا إنهم شعب الله المختار ، وحرّفوا التوراة ، ليمجّدوا فيها أنفسهم ، فهم عبدة أنفسهم ، وكل هؤلاء مشركون ؛ والحنيفية : هى ملّة إبراهيم ، الذى مال عن الضلال إلى التوحيد ، فأطلق عليه قومه اسم الحنيف ، أى الزائغ عن الحق ، كما أطلق كفّار مكة على النّبى صلىاللهعليهوسلم اسم «الصابئ» ؛ ودين القيمة : اصطلاح أضاف الدين إلى القيمة من باب إضافة الشيء إلى نفسه ؛ وخير البرية وشرّ البرية : فيهما طباق وهو من وجوه البديع ، ومن ذلك المقابلة بين نعيم الأبرار وعذاب الفجّار. جعلنا الله من خير البرية وأثابنا جنات الخلد ، اللهم آمين.
* * *
٦٨١. سورة الزلزلة
السورة مدنية ، وآياتها ثمان ، نزلت بعد سورة «النساء» ، وترتيبها فى المصحف التاسعة والتسعون ، وفى ترتيب تنزيل السور المدنية هى السابعة ، وسميت «الزلزلة» ، يعنى ارتجاف الأرض واهتزازها ، لاستهلالها بقوله تعالى : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) (١) ، وزلزال الأرض أكبر ما يكون يوم القيامة ، وبه تخرج الأرض ما فى جوفها ، والإنسان يعجب مما يحدث ويشاهد ويجرى تحت سمعه وبصره ، ويعجب لاضطراب الأرض كل هذا الاضطراب ، والرجفة التى تأخذ كل شىء ، والناس ينسلون من بطونها ، ويسرعون أشتاتا إلى الحساب ، فمن يعمل مثقال ذرة من خير يره مرصودا ، ومن يعمل مثقال ذرة من شرّ يبصره مكتوبا. وموضوع السورة ومشاهدها وأسلوبها ، كموضوعات ومشاهد وأسلوب