أوجه : فهى أولا : خير من ألف شهر ، يعنى هى بكل أعمار الأمم الأخرى ، والعمل الصالح فيها بكل الأعمال الصالحة بها فى ألف شهر ، يعنى أن يكون المسلم فيها فاعلا نشيطا إيجابيا ، وليس سلبيا يأخذ من غير استحقاق. وقوله ألف شهر لأن العرب تذكر الألف فى غاية الأشياء ، كما فى قوله تعالى : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) (٩٦) (البقرة) ؛ وهى ثانيا : تتنزّل الملائكة والروح فيها بكل الأمور التى يقدرها الله ؛ وهى ثالثا : سلام على كل الناس من أول الليل حتى طلوع الفجر. وفى موعدها قيل : هى الليلة السابعة والعشرون أو التاسعة والعشرون ، أو أنها فى العشر الأواخر من رمضان ، وفى وتر ، ربما فى الليلة الثالثة والعشرين ، أو الخامسة والعشرين ؛ وقيل هى تنتقل فى العشر الأواخر ؛ وقيل : لا تنتقل. وكان النبىّ صلىاللهعليهوسلم يعتكف فى العشر الأواخر ؛ وسألته عائشة : إن وافقت ليلة القدر ، فما أدعو؟ قال : «قولى : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى» أخرجه أحمد والترمذى والنسائى وابن ماجة.
وليلة القدر من خصائص أمة الإسلام ، ولا وجود لمثلها فى اليهودية ولا النصرانية ، وما ذكر شىء يقارنها فى التوراة أو الأسفار أو الأناجيل ، ووجودها فى رمضان لا غير وليس فى كل السنة ، ورمضان هو الشهر الكريم ، وفى العشر الأواخر من أيام وداعه وليس فى كل رمضان ، وفيها الاعتكاف ، وهو خصيصة أخرى من خصائص أمة الإسلام ، وما أكثر خصائص هذه الأمة وما أعظمها!
* * *
٦٨٠. سورة البيّنة
السورة مدنية ، نزلت بعد سورة الطلاق ، وترتيبها فى السور المدنية الرابعة عشرة ، وفى المصحف الثامنة والتسعون ، وفى التنزيل عموما المائة ، وآياتها ثمان ، وسميت «البيّنة» يعنى الدليل والبرهان ، من بان بيانا وتبيانا يعنى اتضح وظهر ، والبيان هو المنطق المعبّر ؛ وسمّيت السورة كذلك سورة «لم يكن» ، والتسميتان من قوله تعالى فى بدايتها : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) (١) ، والبيّنة التى اشترطوها ليؤمنوا ويتركوا الكفر هى القرآن ، بمعنى أن يكون للنّبى صلىاللهعليهوسلم كتاب مثل كتابهم ، فهذا هو دليل نبوته ، ولقد جاءهم بالكتاب ، صحفه مطهّرة من الدنس ، لا ضلال فيها ، وكتبه أى السور التى اشتمل عليها ، والأحكام والمواعظ والقصص والعلوم والبراهين التى تضمّنها ، جميعها قيّمة ، فما آمنوا ، وعبر تاريخ أهل الكتاب فإنهم كانوا كلما بعث إليهم نبى كذّبوه واختلفوا فيه ، وكلما تنزّل عليهم كتاب افترقوا حوله ، فلما جاءهم النبىّ صلىاللهعليهوسلم