سبيل الله. والله ينذر الطاغية إن لم ينته سيأخذه أخذ عزيز مقتدر ، ومهما استنفر ناديه وعسكره وأنصاره فمآله الخسران. وتختم السورة بالأمر للنّبى صلىاللهعليهوسلم خصوصا والمسلمين عموما ، فى حالات الاضطهاد ، أن لا يطيعوا ما يدعوهم الطاغية إليه ، وأن يتوجهوا لربّهم دائما مصلّين ساجدين ، ويتقرّبوا إليه بالدعاء ، لعل الله يأتيهم بالفرج والخلاص. والحمد لله دائما وأبدا.
* * *
٦٧٩. سورة القدر
السورة مكية ، وآياتها خمس ، وكان نزولها بعد سورة «عبس» ، وترتيبها فى المصحف السابعة والتسعون ، وفى التنزيل الخامسة والعشرون ، وتتحدث عن نزول القرآن فيها ، وكأنما القرآن تنزّل سورة واحدة ، ويأتى فى الآية : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) (١٨٥) (البقرة) ، أنه تنزّل فى رمضان ؛ وفى الآية : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) (٣) (الدخان) : أنه تنزّل فى ليلة واحدة وكانت لذلك ليلة مباركة ؛ وفى الآية : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (١) (القدر) : أن هذه الليلة كانت ليلة القدر ، وقيل : كان نزول القرآن كالسورة الواحدة أو الجملة الواحدة ، من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ، ثم كان جبريل ينزّله على النبىّ صلىاللهعليهوسلم نجوما نجوما ، وكان بين أوله وآخره ثلاث وعشرون سنة. وفى سورة القدر تتكرر «ليلة القدر» ثلاث مرات تشريفا وتعظيما لها ، وسمّيت «ليلة القدر» ، لأن الله تعالى يقدّر الأمور فيها إلى مثلها من السنة القابلة ؛ أو لأن الطاعات فيها لها قدر كبير وثواب جزيل ؛ أو لأن القرآن نزل فيها وهو الكتاب ذو القدر ، ونزل به ملك ذو قدر ، على رسول ذى قدر ، وأمّة ذات قدر ؛ أو لأن الله تعالى يقدّر فيها الرحمة على عباده. وقوله فيها : (وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) (٢) فكل (وَما أَدْراكَ) فى القرآن يعنى «هو يدرى به» ، وهى استفهام بغرض التفخيم والتعظيم ؛ وفى أسباب نزولها ، قيل : إن رجلا من بنى إسرائيل لبس السلاح وجاهد فى سبيل الله ألف شهر ، يعنى أكثر من ثلاث وثمانين سنة! وهو قول يتّضح من أوله أنه من الإسرائيليات ، قيل : وعجب النبىّ والمسلمون من القصة ، وتمنّى رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأمته مثل ذلك العمر الطويل ، فقال : «يا ربّ ، جعلت أمتى أقصر الأمم أعمارا وأقلها أعمالا» ، وهذا قول آخر يثبت أن الحكاية ملفقة ومزوّرة على الإسلام! قيل : فأعطاه الله ليلة القدر! يسأل المسلمون الله فيها ما يشاءون! يعنى يكون لهم ما يشاءون بالدعاء وليس بالكسب والتحصيل وصالح الأعمال ، وهو معنى ليس حسنا. ومع كلّ فإن ليلة القدر على الصحيح من أكثر الليالى بركة لما اختصت به من الفضل من ثلاثة