بكر حينما رأى بلالا يعذّب فاشتراه ليعتقه ، فقال المشركون : إنما اشتراه ليد كانت له عنده ، فذلك قوله تعالى : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩) إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضى) (٢١).
ومن المصطلحات فى السورة : «الحسنى» فى قوله تعالى : (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) (٦) ، وقوله : (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى) (٩) وهى الخلف من الله على عطائه ؛ وقيل : هى قول «لا إله إلا الله» ؛ وقيل : هى الجنة ، ودليل ذلك قوله : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) (يونس ٢٦) ، والحسنى هى الجنّة ، و «اليسرى» ، كقوله : (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) (٧) قيل هى الجنة ، وقيل : هى أسباب الخير والصلاح. ولمّا سألوه صلىاللهعليهوسلم : يا رسول الله ، أفلا نتّكل ، فمن كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة ، ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء؟ قال : «بل اعملوا ، فكل ميسّر ، أمّا من كان من أهل السعادة فإنه ييسّر لعمل السعادة ، وأمّا من كان من أهل الشقاء فإنه ييسّر لعمل الشقاء» ، ثم قرأ : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) (١٠) ؛ «والعسرى» نقيض اليسرى ، فإذا كانت اليسرى هى الخير ، فإن العسرى هى الشّر ، وإن كانت اليسرى هى الجنة ، فالعسرى هى النار. وسئل الرسول صلىاللهعليهوسلم عن العمل الذى يتيسر ، هل هو العمل الذى جفّت به الأقلام وجرت به المقادير؟ أم فى شىء يستأنف؟ فقال : «بل فيما جفّت به الأقلام وجرت به المقادير» ، قيل : ففيم العمل إذن؟ قال : «اعملوا فكل ميسّر للعمل الذى خلق له» ، قيل : فالآن نجدّ ونعمل. والسورة إذن تحضّ على العمل والعطاء : بأن يعمل الميسور ويعطى ويبذل للمعسر ، وأن يعمل الصادق ويعطى الصدق من قلبه ، وفى الحديث أن دعوة الملائكة : «اللهم أعط منفقا خلفا ، وأعط ممسكا تلفا». وفى قوله : (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) (١٠) قد يسأل السائل : هل فى العسرى تيسير؟ والجواب : أن ذلك كما فى قوله : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٢١) (آل عمران) ، فالأصل فى التيسير وفى البشارة أنها للمفرح والسّار ، فإذا جاء التيسير فى الكلام لحالين متقارنين أحدهما خير والآخر شر ، فمعنى ذلك أن التيسير لكليهما ، وكلاهما ميسّر لمن يطلبه ، ولكلّ أن يختار ما يشاء ، وهو مسئول عن اختياره ، نسأل الله الهداية وحسن المآل ، والحمد لله ربّ العالمين.
* * *
٦٧٥. سورة الضحى
السورة مكية ، نزلت بعد سورة «الفجر» ، وآياتها إحدى عشرة آية ، وترتيبها فى المصحف الثالثة والتسعون ، وفى التنزيل الحادية عشرة ، قيل : احتبس الوحي عن النبىّ