٦٧٤. سورة الليل
السورة مكية ، ولذلك تعتنى بإثبات وجود الله ، وبيان صفاته ، كشأن السور المكية ؛ وآياتها إحدى وعشرون آية ، فتعدّ من قصار السور ، وترتيبها فى المصحف الثانية والتسعون ، وفى التنزيل التاسعة ، وكان نزولها بعد سورة الأعلى ، وموضوعها : بيان حال الإنسان فى الإيمان والكفر ، ومآله فى الحالين. ويبدأ الجزء الأول بالقسم ببعض الآيات الكونية ، بما يفيد قدرته تعالى ، والقدرة صفة فعلية من صفاته ، وتشير إلى ذاته ، وليس أوضح من آيتى الليل والنهار : كآيتين للزمان ، وآيتى الذكر والأنثى : كأصل لكل حياة ، ولتباين الأنواع والأجناس وليس ألزم للحياة من الليل والنهار ، فالليل لباس ، والنهار معاش ، وليس ألزم للحياة من أن تكون الكائنات والمخلوقات بها ذكورا وإناثا للتكاثر وصنع الأجيال ، ومع أنه لا يتشابه ليل مع نهار ولا نهار مع ليل ، ولا يتماثل ذكر مع أنثى ، ولا أنثى مع ذكر ، فقد جعل بين هذين التوالى ، وبين هذين الوفاق ، فليس عجيبا أن يكون القسم بهما قسما عظيما ، وجواب القسم هو قوله تعالى : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) (٤) ينبّه إلى حقيقة من حقائق الحياة. وبهذا الجواب يبدأ الجزء الثانى من السورة ، ويؤكد أن المساعى فى الحياة متباينة ، والأعمال شتى ، وكذلك اعتبارات كل إنسان تتباين وتتفارق عنها عند غيره من الناس ، وقد يكون أحد الناس مؤمنا بينما يكون الآخر كافرا ، وقد يكون عاصيا ، والآخر مطيعا ، وقد يكون هذا جزاؤه الجنة ، والآخر عقابه النار. وفى هذا الجزء يتضح المنهج الجدلى فى القرآن الذى قوامه المتقابلات ، فمن يعطى وينفق ويتقى ويصدّق بالحسنى تتيسر له اليسرى ، يقابله من يبخل ويستغنى ويكذّب بالحسنى فتتيسر له العسرى ، والله تعالى يهدى ويرشد ويخبر عن الطريقين : اليسرى والعسرى ، ويوضح الحالتين ، حتى إذا حاسب كان حسابه العسير ، ومن يتردّى فى النار فما يغنيه عنه ماله الذى كان يبخل به ، وهو تعالى مالك الدنيا والآخرة ، وإن يشأ يعذّب من يستحق فى الدنيا أو فى الآخرة. ثم يكون القسم الثالث من السورة : وفيه النذارة للأشقى : وهو الذى كذّب بالرسل وبالبعث والحساب ، وأعرض عن الإيمان ، فذلك له النار تلظّى ، وسيتجنّبها الأتقى : وهو الذى يؤتى ماله يتزكّى ، ليس لأن الغير لهم عنده أياد ، وإنما لوجه الله ، ولسوف يعطيه الله فى الآخرة إلى أن يرضى ، ووعده كريم لأنه ربّ رحيم. وفى الحديث : «لا يدخل النار إلا شقىّ» ، قيل : ومن الشقى؟ فأجاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الذى لا يعمل بطاعة ، ولا يترك لله معصية» ، وقال : «كل أمّتى تدخل الجنّة يوم القيامة إلا من أبى» قالوا : ومن يأبى يا رسول الله؟ قال : «من أطاعنى دخل الجنة ، ومن عصانى فقد أبى». وقيل فى السورة : إنها نزلت فى أبى