يكون عيشها فى الحياة بحسب ما خلقها الله ، فالصانع أعرف بما صنع ، وبما يصلحه ؛ وعقر النفس : هو ذبحها بالعصيان والكفر ، واتباع الهوى ، والميل عن الحق ، والأخذ بالطغيان ، والإنسان «حرّ» إزاء الخير والشر ، والحق الباطل ، والإيمان والكفر ، وله أن «يختار» أيهما ، فحينئذ يكون قد «اختار فى حرية» ، ويصير «مسئولا عن اختياره» ، فإذا جوزى بالعقاب ، فهو عن جدارة ، وعقاب الله هو العقاب ، والله يسأل عباده ولا يسأل ، وينزل العقاب بالمسىء ولا ينزّل به عقاب سبحانه ، لأنه تعالى الحق : فلمّا كان الله كانت القيم. وفائدة السورة : أن من يطهّر نفسه عن الذنوب والعيوب ، والأعواض والأغراض ، ويبعدها عن الاعتراض ، فإنه يتطهّر ويرقى ويفوز ، وهو «الإنسان» حقا وصدقا ؛ ومن يخون قانون صنعة نفسه ، ويدنّس طبيعتها ، ويهمل المعانى ويزدرى القيم ، وتستغرقه المظالم إلى حدّ أن يغرق سفينة نفسه فى بحر الشقاء ، فهو الخائب.
ومن مصطلحات السورة : (ثَمُودُ بِطَغْواها) (١١) ذهبت مثلا ، كأن نقول : «أمريكا بطغواها» أو «إسرائيل بطغواها» ؛ وفي قوله : (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها) (١٢) وروى أن الرسول صلىاللهعليهوسلم سأل : «أتدرون من أشقى الأوّلين؟» وأجاب «عاقر الناقة». قيل : كان اسمه قدار بن سالف ، فصار مثلا عند أهل علم النفس الإسلامى ، لأنه عقر نفسه التى هى ناقة الله ، وقلّده قومه فعقروا نفوسهم مثله لمّا وافقوه على رأيه وفعله. وفى الأدب السياسى الإسلامى يضرب بعاقر الناقة المثل للطاغية ، وقوله تعالى : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (٨) وإلهام النفس هو تعليمها التمييز بين الخير والشرّ ، وإرشادها. والآية جواب على الجبرية والقدرية الذين يقولون يأن الإنسان لا يفعل إلا ما قدّره الله له وقضى به ، وأنه مجبور عليه. وكان النبىّ صلىاللهعليهوسلم يرجع إلى هذه الآية والسورة كلها فى دعائه : «اللهم آت نفسى تقواها ، وزكّها أنت خير من زكّاها ، أنت وليّها ومولاها». وفى الرواية عن عائشة أنها افتقدت النبىّ صلىاللهعليهوسلم من مضجعه فلمسته بيدها فى الظلام ، فوقعت عليه وهو ساجد يدعو : «ربّ أعط نفسى تقواها ، وزكّها أنت خير من زكّاها ، أنت وليّها ومولاها» أخرجه أحمد.
وفى سورة «الشمس» تكثر المتقابلات ، ومنهج القرآن هو منهج يقوم على الجدل بالمتقابلات ، والسورة نموذج لهذا المنهج الجدلى ، أو منهج المتقابلات ، كقوله : الشمس كمقابل للقمر ، والفجور كمقابل للتقوى ، وقوله : (وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها) (٣) ، كمقابل لقوله : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) (٤) وقوله : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (١٠) ، والله أعلم ، وله الحمد والمنّة.
* * *