٦٧٣. سورة الشمس
السورة مكية ، وكان نزولها بعد القدر ، وآياتها خمس عشرة ، وترتيبها فى المصحف الواحدة والتسعون ، وفى التنزيل السادسة والعشرون ، واسمها «الشمس» من قوله تعالى استفتاحا للسورة : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (٢) وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (٤) وَالسَّماءِ وَما بَناها (٥) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (٦) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (٨) ، يقسم بها ، من باب تعديد آياته تعالى الكونية ، إثباتا لوجوده تعالى كخالق لهذا الكون المعجز ، وتأكيدا لوحدانيته ، فالذى قدر أن يخلق كل هذه الآيات العظيمة ، فهو أيضا يقدر أن يخلق هذه النفس الإنسانية العجيبة ، والإعجاز فى خلقها كالإعجاز فى خلق الشمس والقمر ، والضحى والنهار والليل ، والسماء والأرض ، ويخبر أن النفس بفطرتها سوية ، وأنه ألهمها الفجور والتقوى ، فلها أن تختار بينهما فى حرية ، ولها إرادة الاختيار ، وقوة المفاضلة ، فمن يزكّى نفسه ويطهرها بالتقوى والأخلاق والحق ، فقد فاز وأفلح ، ومن يدسّ نفسه ويحقّرها بالكفر والعصيان ، واتّباع الباطل ، والأخذ بالرذائل ، فقد خاب ونقص من عداد العقلاء الأذكياء ، وانضاف إلى الجهلة الأغبياء. والسورة إذن تنقسم ثلاثة أقسام ، فالقسم الأول : عن الآيات الكونية ، ومجاله علوم الفلك والفيزياء والجيولوجيا والفضاء الخارجى ، ويؤسّس لعلم إسلامى يشمل هذه البحوث من منطلق إيمانى ، فمن العلماء من يتعلم للعلم ، ولكى يقال إنه عالم وأنه سبق غيره ، ولكن أهل الفلسفة دائما يتساءلون بعد أن يحوزوا العلم ، ويتبحروا فيه : فما ذا بعد؟.So What فالعالم يبلغ بالعلم أرقى المدارج فى سلّم الخلق ـ إلا سلّمة واحدة تتبقى له ، وهى أن يعرف ربّه بعد أن عرف أسبابه فى الكون ، وإلا فعلمه عقيم. ومدارج الرقى أعلاها مدرج الإنسان العارف بالله Homo religiosus. والسورة تنبّه أهل العلم ليقفزوا القفزة الأخيرة ، ويظفروا بأنفسهم إلى خاتمة كل معرفة : وهى المعرفة بالله. وعلوم الكون من فيزياء وفلك وچيولوچيا وفضاء ... إلخ علوم مادية (فيزيائية) ، وأعلى العلوم هو العلم بالنفس ، ولذا يأتى فى السورة كعلم متمم وخاتم ، والقرآن كما يؤسس لعلم الظاهر أو العلوم الفيزيائية ، من جهة نظر إيمانية ، فإنه يؤسس لعلم نفس إيمانى وهذا هو موضوع القسم الثانى من السورة. فأما القسم الثالث : فهو يضرب المثل بناقة صالح من قوم ثمود ، فكأن القسمين الأوّلين تذكير للخاصة من أهل العلم ، وكأن القسم الثالث لإفهام العامة بطريقة الأمثال. وقصة الناقة بالنسية للعامة من القصص الرمزى ، وأما الخاصة ـ وهم أهل التقوى ـ فإنهم يؤوّلونها ، فالناقة هى النفس ، والتعليم الإلهى بإزائها أن لا يفسد الإنسان فطرتها ، وأن