من (أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ) وهم أهل النار. وقيل : السورة نزلت فى أبى الأشد بن كلدة ، وكان جبّارا فى الأرض عصيا ، ينفق المال بسخاء فى محاربة الرسول صلىاللهعليهوسلم ومناوأة الدعوة.
وتحفل السورة بالمصطلحات ، ومن ذلك قوله تعالى : (لا أُقْسِمُ) : لا يريد به نفى القسم ، ولكنه كقولنا : «لا والله لا فعلت كذا» ، و «لا والله ما كان كذا» ، و «لا والله لأفعلن كذا» ، وهو أسلوب متبع فى القرآن ويتكرر ثمانى مرات ، كقوله : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (١) (القيامة) ، (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) (٢) (القيامة) ؛ والبلد : هى مكة ، وهى البلد الحرام ، أم القرى ، شرفت بالكعبة بيت الله ، فكانت مقصد الحجيج من الشرق والغرب ، وبها ولد النبىّ صلىاللهعليهوسلم وبعث ، وفيها بزغت شمس الإسلام ، وعلى أرضها نزل القرآن ، فحقّ أن يقسم بها الله تشريفا وتعظيما لها على سائر البلاد ، كما حقّ أن يقسم بمن ولدوا فيها من الأطهار ، ومنهم النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وكان للمؤمنين والدا ، وفى الحديث : «إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلّمكم» أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى وابن ماجة وابن حبان عن أبى هريرة ، ومن ثم أقسم الله تعالى بالنبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وبأمّته ، بعد أن أقسم ببلده ، مبالغة فى تشريفه عليهالسلام ؛ وقوله : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) (٤) أى فى شدّة وعناء ونصب ، فكابد الدنيا والشهوات والأهواء وتحصيل لقمة العيش ، نقول : تكبّد اللبن إذا غلظ وخثر واشتد ، ومنه الكبد لأنه دم متغلّظ ؛ والآية القرآنية ذهبت مثلا وصارت من مآثر الأقوال ، والله لم يخلق خلقا يكابد ما يكابد ابن آدم ، فقد خصّه بالوعى ، وعلّمه التاريخ وأن يكون له مستقبل يكابد لتحقيقه ؛ وكذلك ذهب مثلا قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) (٥) يقال كلما زاد طغيان الطاغية ؛ والنجدان : هما طريق الخير والشر ، هدانا الله إليهما هداية دلالة ؛ وقوله : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) (١) : يضرب به المثل لمن لا يصرف جهده إلى اقتحام الصعاب وطلب المعالى ؛ والاقتحام : هو رمى النفس بلا روية ، والعقبة : المرقى الصعب ، وإنه لمرقى صعب أن يؤمن من يؤمن ، وأن يفعل الخير ، ولذا قال تعالى : (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ) (١٢)؟ تضخيما فى صعوبتها. ومن العقبة : أن نفك حصر العانى ، وأن نساعد المحتاج ـ فى زمن قلّ فيه العمل ، وزادت البطالة ، وندر المال حتى لكأن الناس فى مجاعة ـ وأن نعيل المساكين الذين لا مكان لهم إلا الشوارع ، وبالاختصار فإن أعمال البرّ هى المرقى الصعب ، وهى العقبة الكئود ، لفطرة الإنسان على الشّح والبخل ، وأصحاب الميمنة : هم الذين يؤتون كتبهم بيمينهم يوم الحساب ، وهم أصحاب الجنة ؛ وأصحاب المشأمة هم الذين لا يقدرون على حمل كتبهم إلا بشمائلهم ، وهم أصحاب النار المشائيم على أنفسهم. نسأل الله أن نكون من أصحاب الميمنة ولا نكون من أصحاب المشأمة ، والحمد لله على نعمة الإسلام ونعمة القرآن.
* * *