عاد الثانية ؛ و (ذاتِ الْعِمادِ) : قيل إنهم كانوا طوال القامة ، ومبانيهم لذلك عالية ، وأما ثمود فكانوا ينحتون من الجبال بيوتا ؛ وأما (ذِي الْأَوْتادِ) فهو فرعون ، صاحب الأهرامات التى تشبه الجبال ، والله جعل الجبال أوتادا ، والفراعنة بنوا الأهرامات كالجبال ؛ وقوله : (وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ) (١٦) ذهب مثلا ، وصار حكمة مأثورة ؛ و «التراث» مصطلح جديد يعنى إرث اليتامى ، وأصله الوراث من ورث يرث ، فأبدلت الواو تاء ؛ وقوله : (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا) (٢٠) ذهب مثلا وحكمة مأثورة ؛ وقوله : (وَجاءَ رَبُّكَ) ليس كما يجيء الإنسان ، فالله ليس كمثله شىء ، ومجيؤه يعنى أن الخلق صارت لهم الحاسة بحضوره ، ومن ثم ظهرت آياته وقدراته تعالى وامتلأ الموقف ، فاستشعره الوقوف ، وكأنه جاء الآن فقط ، والله تعالى لا يوصف بالتحول من مكان إلى مكان ، وأنّى له التحوّل والانتقال ولا مكان ولا أوان ، ولا يجرى عليه وقت ولا زمان ؛ والنفس المطمئنة من مصطلحات علم النفس الإسلامى ، وهى النفس المؤمنة الموقنة التى لا يخامرها شك ، ولا تعصف بها ريبة ، وهى النفس الراضية بقضاء الله ، قد اطمأنت بالإيمان. ومن العلاجات فى الطب النفسى العلاج بالإيمان ، بإعادة تربية المريض فتصير له ثوابت اعتقادية تصادم دوافع الشك وتزيلها عنه ، فيزول عنه بالتبعية الشك والتردد. وقيل : إن الآيات (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي) (٢٩) نزلت فى حمزة بن عبد المطلب لما استشهد ، وقيل : نزلت فى أبى بكر ، والصحيح أنها نزلت عامة فى كل مؤمن يستشرف الموت ، ولذلك أمرنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن ندعو فنقول : «اللهم إنى أسألك نفسا بك مطمئنة تؤمن بلقائك ، وترضى بقضائك ، وتقنع بعطائك». والحمد لله على نعمة الإسلام ، ونعمة القرآن ، وله المنّة ، وبه التوفيق والعصمة.
* * *
٦٧٢. سورة البلد
السورة مكية ، وكان نزولها بعد «سورة ق» ، وآياتها عشرون آية ، وترتيبها فى المصحف التسعون ، وفى التنزيل الخامسة والثلاثون ، والغرض منها : بيان فساد موقف المنكرين ، وإقامة الدليل على خبث عقيدتهم ، والتنبيه إلى ما عليه الإنسان عموما من زيغ وضلال ، وكان الأحرى به أن يؤمن ، فقد أمدّه الله تعالى بكل النّعم ، وأسبغ عليه من كل الفضائل ، فما حمد ولا شكر ، ولا سلك مسلك أهل الإيمان لا انصرف عن عبادة الشيطان ، ولا تصدّق وأنفق فى الخير ، ولو آمن وتعاهد على الصبر على مطلوبات الإيمان ، وعلى طاعة الرحمن ، لكان من (أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) وهم أهل الجنة ، ولو ثبت على الكفر والعصيان لعدّ