لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (٤٠) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى) (٤١) الآيات إلى آخرهن ، قيل : إن معنى : (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) (١٩) أن مضمون سورة الأعلى جاء فى صحف إبراهيم وموسى ، وهذا نفسه تفسير الآيات التى أكدت أن القرآن نزل مصدّقا لما كان قبله من الصحف والكتب ، كقوله تعالى : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) (آل عمران ٣). فالحمد لله على نعمة القرآن ، ولله المنّة ، وبه التوفيق والعصمة.
* * *
٦٧٠. سورة الغاشية
السورة مكية ، وعنوانها «الغاشية» ، من اسم موضوع السؤال الاستهلالى فى السورة وهو قوله تعالى : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) (١) والغاشية : هى ، القيامة سميت لذلك لأنها تغشى الخلق بأفزاعها وشدائدها ، من غشى أى غطّى وحلّ ، نقول غشى الليل يعنى أظلم ، وأغشى الله على بصره : غطّاه. والسورة فى المصحف الثامنة والثمانون ، وفى التنزيل الثامنة والستون ، وكان نزولها بعد الذاريات ، وتتضمن ثلاثة مشاهد : الأول عبارة عن سؤال وجواب عن الغاشية ، ما هى؟ والخطاب للنبىّ صلىاللهعليهوسلم خصوصا ، ولكل مسلم عموما ، والاستفهام للتشويق إلى استماع الجواب ، واستخدام الاستفهام من طرق القرآن للتنبيه إلى خطورة وعظم شأن موضوع السؤال ، ويتناول الجواب ، على طريقة الجدل القرآنى ، أحوال الكافرين والمؤمنين يوم القيامة ، نعرفها مما يرتسم على وجوه هؤلاء وأولئك ، وتصنيف الوجوه من علم النفس القرآنى ، فالكافر : وجهه متعب ، خاشع ، ذليل ، يشقيه ما يحمل من أصفاد ، وما يثقل عليه من سلاسل وأغلال ، ويسقمه لهيب النار ، وشدّة حرارة جهنم ، فيتمنى لو يشرب ليطفئ ظمأه ، فلا يجد إلا ماء أشدّ حرا يحرق جوفه ، وإذا جاع فليس إلا الشوك يأكله ، لا يسمن ولا يشبع ، ويصرخ منه ويجأر ، وكل ذلك يبين على وجهه. وأما المؤمن : فوجهه تظهر عليه النعمة ، وينعكس عليه رضا نفسه بالعيش فى الجنة ، يصفها بأنها عالية ، أى صافية الجو عليلة الهواء ، يشملها الهدوء وتلفها السكينة ، فلا لغو ولا صخب ولا نصب ، إلّا من خرير ماء يتدفق من عين جارية ، يسرّ بها الناظرون ، يشربون منها إذا رغبوا ، والأكواب متوافرة يعبون بها الماء ، فإذا أحبوا أن يناموا فالأسرّة جاهزة فخيمة ومريحة ، والوسائد كثيرة. والمشهد الثانى من السورة : يتناول من دلائل وجود الله وقدرته تعالى ووحدانيته ، نماذج من المخلوقات والموجودات من الحياة ، يراها كل أحد ، ويقدّرها حق قدرها فى كل زمان ومكان ؛ فهذه الإبل العجيبة وما تقوم به من وظائف