فريدة ، حتى ليطلقوا عليها سفينة الصحراء ، دليل وأى دليل على وجوده تعالى وقدرته وعلمه. وهذه السماء المرفوعة بغير عمد ، والممتدة إلى اللانهاية ، والجبال الشامخة المنصوبة كالأعمدة المغروسة فى الأرض تثبّتها ، والأرض الممهدة للزرع والانتقال عبرها فى الأسفار ، كلها دلائل ، على عظم قدرته تعالى ، وأنه الصانع والخالق ، وليس من صانع وخالق مثله. والمشهد الثالث : هو النتيجة لما فات من المقدمة ، ويقرر المطلوب الذى نخلص إليه بعد هذا الطرح المنطقى السالف : أن عمل الرسول صلىاللهعليهوسلم هو تذكير الناس ، وأن يدعوهم بالترغيب والترهيب إلى عبادة الله ، ولا يقسرهم ولا يجبرهم على الإيمان ، فلا إكراه فى الدين ، ومن يتولى ويعرض بعد هذه النذارة أو البشارة ، فأمره إلى الله يعذّبه بنار جهنم ، وعذابها هو العذاب الأكبر. نسأل الله العافية ، والحمد لله تعالى على نعمة القرآن.
* * *
٦٧١. سورة الفجر
السورة مكية ، نزلت بعد سورة الليل ، وآياتها ثلاثون ، وترتيبها فى المصحف الثامنة والتسعون ، وفى التنزيل العاشرة ، وتتكون من أربعة أقسام : الأول : تنبيه إلى بعض قوى الطبيعية التى هى دلائل على قدرته تعالى ، وأنه واحد لا شريك له ؛ والثانى : تذكير بمن سبق من أمم لم تؤمن بالله ، ولم تفهم دلائله ، وعتت عن أمر ريّها ورسله ، وطغت فى الأرض وأفسدت فاستحقت العذاب ؛ والثالث : هو نتيجة تخلص إليها السورة ، وهى أن الإنسان جبّار كفور ، لا يحمد لله لو أكرمه ، ويجحده إذا ما ابتلاه ، ولو تبيّن وتعقّل لأدرك أن الخير والشر ، والغنىّ والفقر ، قسمة فى الحياة ، وأنهما من سنن الوجود ، ولكنه هكذا دائما ، يستميله الكفر على الإيمان ، والبخل على الإنفاق ، ويدأب على الخصال السيئة ، ويحب المال يجمعه جمعا ، فلا يحسن على يتيم ، ولا يطعم مسكينا ؛ وفى القسم الرابع : يأتى التحذير من يوم الحساب ، وفيه التذكير والتذكّر ، وأنّى له يوم الحساب أن يفلت من العقاب ، ولن يفيده التحسّر ، فالعذاب يومئذ رهيب ، ولن يستطيع حياله شيئا ، وأما المؤمن فهو الراضى المرضى ، المستحق أن يكون من عباد الله ، وأن تكون له الجنة.
ومن مصطلحات السورة : الاستفهام التقريرى فى قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ) (٦) ، وهو من أساليب القرآن ، ويتكرر فيه ٣١ مرة ، تبدأ فيها الآيات جميعا بصيغة السؤال : (أَلَمْ تَرَ) ؛ وكذلك قوله : (كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) (١٧) فهو من أساليب القرآن ، ويتكرر فيه خمس مرات ، للتنبيه والزيادة فى التوبيخ والعتاب ، وتبدأ جميعها بصيغة : (كَلَّا بَلْ ..) ؛ و «الفجر» المعنىّ فى السورة : هو فجر أى يوم ، فهو آية من الآيات ، وفيه