تعالى بالفلاح فقال : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (١٥) ، وقيل إن المقصود بالصلاة فى الآيتين السابقتين : صلاة العيد ، وبالزكاة : زكاة الفطر ، ونسى من قالوا ذلك أن السورة مكية ، وفى مكة لم تكن صلاة عيد بعد ، ولا عيد ، وما كانت زكاة الفطر قد فرضت. وفى تفسيره صلىاللهعليهوسلم لقوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) (١٤) ، قال : «هو من شهد أن لا إله إلّا الله ، وخلع الأنداد ، وشهد أنى رسول الله». وخلع الأنداد هو أن لا يجعل لله تعالى مثيلا ولا شريكا. وقيل : نزلت الآية فى عثمان بن عفان ، وقيل : فى أبى بكر الصدّيق. وكلّ منهما قد أفلح ، أى قد فاز وظفر ، والفلاح صلاح الحال ، والفوز ، والنجاة ، وفى الأذان : حىّ على الفلاح ، أى هلمّوا إلى طريق الفوز والنجاة. وقوله : (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (١٥) ، أى ذكره فى قلبه تزكية ، فصلّى خشوعا وكبّر راجيا ، وذلك هو الفالح المزكّى ، على نقيض الشقىّ المؤثر للحياة الدنيا ، والآخذ بالعاجل على الآجل. وقوله تعالى : (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) (١٧) صار مثلا ، وهو من الحكم المأثورة التى تحفل بمثلها الصّحف الأولى : (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) (١٩) يعنى الكتب المنزّلة السابقة ، مما نزل على إبراهيم وموسى ، وعن أبى ذرّ فيما أورده السيوطى : أنه سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم : فيما كانت صحف إبراهيم؟ قال : «كانت أمثالا كلها : ـ «أيها الملك المتسلّط المبتلى المغرور ، إنى لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ، ولكن بعثتك لتردّ عنى دعوة المظلوم ، فإنى لا أردّها ولو كانت من فم كافر» ، وقال : «وكان فيها أمثال : ـ وعلى العاقل أن يكون له ثلاث ساعات : ساعة يناجى فيها ربّه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، ويفكر فيها فى صنع الله ؛ وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب. وعلى العاقل ألا يكون ظاعنا إلا فى ثلاث : تزوّد لمعاد ، ومرمة لمعاش ، ولذة فى غير محرم. وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه ، مقبلا على شانه ، حافظا للسانه. ومن عدّ كلامه من عمله ، قلّ كلامه إلا فيما يعنيه». وقال أبو ذرّ : قلت : يا رسول الله ، فيما كانت صحف موسى؟ قال : «كانت عبرا كلها : ـ عجبت لمن أيقن بالموت ، كيف يفرح؟! وعجبت لمن أيقن بالقدر ، كيف ينصب؟! وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلّبها بأهلها ، كيف يطمئن إليها؟! وعجبت لمن أيقن بالحساب غدا ، ثم هو لا يعمل». وقال أبو ذرّ : قلت : يا رسول الله ، فهل فى أيدينا شىء مما كان فى يدىّ إبراهيم وموسى ، مما أنزل الله إليك؟ قال : «نعم ، اقرأ أبا ذرّ : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٧) إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) (١٩)». وفى سورة النجم عن صحف إبراهيم وموسى ، قوله تعالى : (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (٣٦) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (٣٨) وَأَنْ لَيْسَ