(٦) إِلَّا ما شاءَ اللهُ) : أن قراءته للقرآن ، باعتباره نبيا ، كانت قراءة استظهارا بحيث لا ينسى ، والاستثناء فى الآية (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) ، يعنى أن ما يقدّر أن ينساه هو ما يشاء الله له أن ينساه منه ، ولم يحدث أن شاء الله له أن ينسى منه شيئا ، كقوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) (هود ١٠٨) ، فلم يحدث أن شاء الله عكس ما قضى أولا. ونحن فى الكلام العادى نقول : لأعطينك كل ما سألت إلا ما شئت ، أو إلا أن أشاء أن أمنعك» ، وتكون النية مع ذلك على ألا نمنعه شيئا ، يعنى أن الاستثناء ـ بنيّة الخالق ـ هو التمام ، والله تعالى قد وعده ألا ينسى مما يحفظ شيئا ، فلم يحدث أن نسى شيئا. وأحسن ما قيل فى ذلك : أن معنى (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) ، أن لا تنسى العمل بما تقرأ من القرآن ؛ أو أن المعنى تعليمه صلىاللهعليهوسلم ـ وأمّته من بعده ـ أن لا يغفل عن قراءة القرآن وتكراره فينساه أو ينسونه. وفى الآية : (إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) (٣٠) (الفرقان) شكوى من أنهم لم يكونوا يقرءونه. ومن دأب الذاكرة أن تنسى شيئا فشيئا ما سبق لها أن حفظته ، والقرآن ليس استثناء ، وإذا لم يقرأ مرارا ، فإن مشيئة الله أن ينسى الغافل أحكامه وحكمه ، فهذه سنّة الله فى الذاكرة ، وهى من خلقه تعالى ، وقد فطرها على ذلك ، ومن ثم كان التعليم فى الآية للنبىّ صلىاللهعليهوسلم : أن يقرأ القرآن بنية أن لا ينسى استظهار ما قرأ ، ولا ينسى العمل بما قرأ ، والنيّة يعلمها الله : (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى) (٧) كقوله : (وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً) (يونس ٦١). والطريقة اليسرى فى القراءة أن تكون قراءة استدبار ، يعنى أن يتفكر ويستدبر كلما قرأ ، ومع تكرار القراءة ، تتيسّر المعانى وتتضح ، كقوله تعالى : (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى) (٨) يعنى نيسّرك لهذا النوع من القراءة. ثم يكون الجزء الثالث من السورة ، من قوله تعالى : (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) (٩) ، حتى قوله : (الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) (١٧) ، فبعد هذا التعليم للقراءة الميسّرة ، يأتى دور التبليغ ، وأن يقرأ النبىّ صلىاللهعليهوسلم القرآن على الناس ، ولا ينسى ذلك ، ولا يغفل منه شيئا ، إلا ما شاء الله أن لا يكون متعلقا بما يشرح للناس من موضوعات ، فليس ما يذكره منه فى حينه إلا ما يرتبط بما يتناوله مع الناس من مسائل الدين والدنيا. والتذكير بالقرآن وآياته واجب ، بأن تستحضر ذاكرتنا من الآيات ما يناسب الموقف ، والذكرى أو التذكير قد ينفع مع البعض ولا ينفع مع البعض الآخر ، وتذكرة أو تذكير الخاشع أبلغ وأرجى ، ولن يتجنّب الوعظ ويأنف منه ولا يلتفت إليه إلا الشقى الذى. مآله النار الكبرى ، وهو اصطلاح القرآن لنار جهنم ، باعتبار أن نار الدنيا هى النار الصغرى. والشقى كذلك من المصطلح القرآنى ، والمقصود به فى الآية أمثال الوليد ابن المغيرة ، وعتبة بن ربيعة. ونقيض الشقى من وصفه