وفى الجزء الثانى من السورة يوجه الله تعالى إنذاره لأمثال هؤلاء اليهود : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (١٠) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) (١١) ، والعقاب ـ كما ترى ـ من جنس العذاب الذى أنزلوه بالمؤمنين ، فتحريق بتحريق ، والفرق أن الأول بالنار الصغرى وهى نار الدنيا ، والثانى بالنار الكبرى وهى نار جهنم. وفى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ...) (١٠) ، وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) مقابلة بين مصير المجرمين ومصير المؤمنين. وفى الجزء الثالث من السورة خبر عن بعض هؤلاء المجرمين الذين فتنوا المؤمنين ، فكان مصيرهم كمصير أصحاب الأخدود ، قال : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ) (١٩) ، والحديث هو الخبر ، والجنود هم جماعة الكافرين فى كل عصر ، أمثال فرعون وجنوده ، من دعاة الاستعمار القديم والجديد ، وأصحاب الإمبرياليات القديمة والجديدة ، ومنهم حاليا زعماء العولمة من الاحتكاريين والرأسماليين ، والعملاء الوطنيين. الذين تجنّدوا وتحزّبوا لحرب الإسلام باسم صراع الحضارات ، فى العالم قاطبة. وفى قوله : «هل أتاك» استفهام للتشويق ، يريد به أن يؤنس الرسول صلىاللهعليهوسلم ويسليه ، ومن بعده المؤمنين إلى أن يرث الله الأرض وما عليها بحكايات الطغاة والجبارين والمستقويين ، وكان فرعون منهم فضرب الله به المثل لطغيان الأفراد ، وكانت ثمود أمة كفرت بأنعم الله ، فضرب بها المثل لانحرافات الأمم ، فأنزل الله بهم ما نعرف مما نزل بفرعون وجنوده ، ومما حاق بثمود ، فلمّا كانوا طغاة أهلكوا بالطاغية ، والمنكرون فى كل مكان يقرءون عن هؤلاء وهؤلاء ، وما تزال النذر تأتيهم ، وما زالوا مستمرين على التكذيب ، فبعدا للظالمين ، وبعدا لقوم لا يؤمنون.
* * *
٦٦٨. سورة الطارق
السورة مكية ، نزلت بعد سورة «البلد» ، وآياتها سبع عشرة آية ، وترتيبها فى المصحف السادسة والثمانون ، وفى التنزيل السادسة والثلاثون ، وتبدأ كأغلب السور المكية بلفت انتباه السامع أو القارئ لآيات الله فى الكون مما نراه يوميا ولا يستثير انتباهنا لكثرة ما اعتدناه ، والمعجز الذى يراد منا أن نتفكر فيه هو هذه النجوم التى تطرق السماء ليلا ثم تختفى ، فكم منا يعلم عنها كما يعلم علماء الفلك؟ وهل نعرف أحجامها ، وحركتها ، ودورانها؟ ومما تتكون؟ وإلى أين تسير؟ ولما ذا تسطع؟ ولو قرأنا ما يقوله العلم عنها لهالنا أمرها وقدّرنا أنه لا بد للكون من خالق ، وأنه واحد لا يمكن أن يشاركه شريك. وتستهل السورة بقسمه