(٢٣) (الأنبياء) ، وهو (مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) (٢٠) : محيط بما استمكن منهم من البطر ، وما داخلهم من الرياء ، وبما بيّتوا ؛ ومحيط : يعلم ما بهم ولا تخفى عليه خافية : (أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) (١٢) (الطلاق).
والسورة أربعة أجزاء ، يبدأ الأول منها بالقسم ، بقوله تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (١) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) (٣) ، والمقسوم به السماء ، لجرمها العظيم ، وما تحويه من أفلاك عظيمة لله تعالى ، والقسم بها لذلك عظيم ، ووصفها بأنها ذات بروج ، يشير إلى امتدادها حتى لتسع منازل كل النجوم والكواكب ، وسمّاها بروجا لظهورها ، ثم إن البروج هى القصور ، فشبّه هذه المنازل بها لعلوها وارتفاعها ؛ وقيل البروج اثنا عشر برجا ، هى : الحمل ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسّنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدى ، والدّلو ، والحوت ؛ ويسير القمر فى كل برج يومين وثلث يوم ، فذلك ثمانية وعشرون يوما ، ثم يستسر ليلتين ؛ وتسير الشمس فى كل برج منها شهرا. فإذا كان القسم بالسماء قسما عظيما ، فالقسم باليوم الموعود أعظم ، وهو يوم القيامة ، وهو موعد اجتماع أهل الأرض وأهل السماء ، واليوم الذى وعد الله المؤمنين والكافرين ، وهو موعود لنهاية الدنيا وبداية الآخرة ، وموعود لبداية النعيم أو الجحيم. والقسم بالشاهد والمشهود أعظم من القسم بالسماء وباليوم الموعود ، لأنه تعالى كما ذكرنا من قبل ، الشاهد والمشهود والشهيد معا ، فكأنه أقسم بنفسه : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) (الأنعام ١٩) ، وكما بيّنا من قبل فإنه الشاهد ، لأنه شهد خلقه وأفعالهم ، ويشهد عليهم ، وهو مشهود لأنهم يشهدان له بالتوحيد ، وهو شهيد لأنه مؤتمن آمين فى شهادته. وجواب القسم فى السورة قوله تعالى : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤) النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (٥) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (٦) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) (٧) ، والأخدود : مقبرة جماعية كالمقابر التى كان الصرب يحفرونها للمسلمين ؛ وفعل الروس مثلهم ، ثم الأمريكان واليهود ، وهذه المقبرة القديمة قدم التاريخ ، أو الأخدود كما يسميها القرآن ، حفرها يهود نجران لجماعة دينية فى بلدهم كانوا يوحّدون الله ، وكانوا نيفا وثمانين رجلا وامرأة ، قبض عليهم يوسف بن ذو نواس بن تبّع الحميرى ، ونصب لهم أخدودا وألقاهم فيه وأوقد عليهم النار. وأصحاب الأخدود فى السورة هم هؤلاء اليهود الذين عذّبوا الموحدين ، وكانوا يقعدون على الأخدود يرقبون تحريقهم ، ونقموا عليهم إيمانهم. وقوله تعالى : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) (٤) دعاء عليهم كقولنا : قاتلهم الله! دعا الله بها على اليهود منذ فجر التاريخ ، وما يزال دعاؤه عليهم ساريا حتى اليوم ، قاتلهم الله ولعنهم. وقاتل كل من يؤذى المسلمين ولعنهم!