أنه مكتوب على الإنسان أن يعمل وينصب حتى يلقى ربّه بكتاب عمله ؛ أو أن المعنى أن الإنسان يكدح فى الدنيا ويظن أنه لن يلق ربّا ، أو أن بوسعه أن يهرب من ربّه ، فأينما هرب ، فإن طريقه الذى يتخذه سينتهى به حتما إلى الله ، وإذن فليفعل الإنسان ما يشاء ، ويكفر كيفما أراد ، وليفسد فى الأرض كما يحلو له ، فلا بد يوما أن يلقى الله ، وحينئذ يكون الحساب العسير والعقاب الخطير ، وقانا الله شرّهما ، آمين.
* * *
٦٦٧. سورة البروج
السورة مكية ، نزلت بعد سورة «الشمس» ، وآياتها ثنتان وعشرون ، وترتيبها فى المصحف الخامسة والثمانون ، وفى التنزيل السابعة والعشرون وموضوعها الاستشهاد فى سبيل الله ، وتحكى عن قصة أصحاب الأخدود ، وحديث الجنود الذين يجنّدون لحرب الرسل والأنبياء والمؤمنين. وتحفل السورة بأسماء من أسمائه تعالى : فهو تعالى «الشاهد المشهود» : شهد بالبراهين ، وأثبت بدلائل اليقين ، وأوضح بالآيات البيّنات ، أنه لا إله إلا هو. وشهد بجلال قدره وكمال عزّه. وهو تعالى المشهود : لأنه شهد لنفسه وشهد له الخلق والملائكة والكون بأسره. ثم إنه (الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٩) ، ولا يقال عزير إلا للقويّ الذى إذا شاء أوقع الانتقام وقدر عليه ، والجبّار أعلى من العزيز ، وهو الشديد البطش ، وفى السورة : (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) (١٢) أى أخذه الجبابرة والطغاة والظلمة : (إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (١٠٢) (هود). وهو «الحميد» : مستوجب للحمد ، وله المحمدة ، ومحامده هى صفاته الجلالية والجمالية والكمالية ؛ ومن محامده أن : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٩) ، فهو المتصرّف والمدبّر والمالك ، وإنما عن علم وحكمة ، والعلم والحكمة من محامده ؛ ومنها أنه تعالى : (يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (١٦) ؛ فهو المبدئ لأنه بدأ الخلق ؛ وهو المعيد : لأنه يعيده ، كقوله : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) (الأنبياء ١٠٤) ، وقوله : (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) (يونس ٤) ؛ ثم إنه الغفور لأنه يغفر الذنوب ، والغفور أبلغ من الغافر. ولأنه يغفر ويرحم فإن عباده يودّونه وهو لذلك الودود ، بمعنى المودود : وهو يودّهم فى المقابل ، وودّه تعالى يعنى رحمته بهم ولطفه وإحسانه ، والود إرادة إنعام مخصوص ؛ وهو ذو العرش : لأن له الملك كله ، وله قوام الأمر ؛ والمجيد : من المجد ، وهو النهاية فى العلو والعظمة والعزّ والرفعة ؛ ومن مجده أنه فعّال لما يريد ، لا يمنع عليه شىء يريده ، فلأنه مالك الملك فلا حجر عليه ولا حظر : (يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) (١٤) (الحج) ، و (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ