٦٦٦. سورة الانشقاق
السورة مكية ، وآياتها خمس وعشرون ، وكان نزولها بعد «الانفطار» ، وترتيبها فى المصحف الرابعة والثمانون ، وفى التنزيل الثالثة والثمانون ، وتتناول فى جزئها الأول بعض مشاهد من يوم القيامة كالشأن مع السور المكية ، وتستهل بتصدير ما يحدث فى الكون عند قيام الساعة ، فالسماء تنشق ، والسورة لهذا تسمى سورة الانشقاق ، وانشقاق السماء من أشراط وعلامات هذا اليوم ـ يوم القيامة ، والانشقاق هو الانصداع والانفطار ، ومن أوصاف ذلك فى سور أخرى ، قوله : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) (الفرقان ٢٥) يعنى تكشط ويملأ مكانها الغمام ، فيغم الكون وتغتم له القلوب ؛ وقوله : (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ) (٣٧) (الرحمن) يعنى تنشق ويستحيل لونها إلى الاحمرار ، كأنها الوردة ألقى عيها دهن مذاب أحمر من شدة طبخه بالنار ، فاحمرّت لذلك ؛ وقوله : (وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ) (١٦) (الحاقة) يعنى لم تعد متماسكة واسترخت من أطرافها. وهذا هو الانشقاق إذن كما فى السورة ، والله غالب على أمره ، والسماء يحقّ لها أن تسمع وتطيع يوم القيامة ، وكذلك الأرض ، فتجرى عليها حوادث ذلك اليوم ، فتدكّ جبالها ، وتنبسط ، ويمدّ أديمها لتتسع لما يأتيها من بطنها من الأموات ، تلقى بهم وبما استودعت ، ومما استحفظت. والسورة بدأت بإذا ، وجوابها : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) (٦) ، فليعش ما يشاء ، وليحبّ ما يشاء ، وليعمل ما يشاء ، فإنه ميّت ويفارق الكل ، ويلاقى فى خاتمة المطاف ربّه يوم الحساب ، والآية على ذلك تضرب مثلا ، والإنسان مثلما فى الدنيا أحد اثنين ، فإما هو كافر ، جاحد ، منكر ، ويعمل الشرّ ، وإما هو مؤمن ، مسلّم لله ، شاكر له نعمه ، ويعمل الخير ، وكتابه يوم القيامة إما بيمينه ، وإما بشماله ، كقوله : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (٨) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) (٩) وهذه صورة ، ويقابلها صورة أخرى هى النقيض : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (١٠) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (١١) وَيَصْلى سَعِيراً (١٢) إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (١٣) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) (١٤) ، والثبور هو الهلاك ، والسعير هى النار ، ويحور يرجع حيا.
وفى الجزء الثانى من السورة يقسم الله تعالى بآيات كونية مما نعرفها فى الدنيا ، وذلك عكس المقدمة التى أتى فيها بمشاهد أخروية ، يقول : (فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦) وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (١٧) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) (١٩) ، والشفق حمرة المغرب ، ويقصد به النهار بطوله ، ويقابله الليل الذى فيه يجتمع الناس إلى بعضهم البعض ، والمخلوقات كلها تسكن ، وهو معنى «وما وسق» يعنى ما حوى ، وكأنه أقسم بالنهار والليل ، أو بالنهار مدبرا