الحساب فعلمهم مصيبة عليهم ، وإن كانوا لا يعلمون فمصيبتهم أدهى وأمرّ؟! واليوم العظيم : تعريف بيوم القيامة : (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٦) : يقومون عقابا وعذابا ، فلأن ذنبهم عظيم فإن يوم حسابهم كان عظيما. ويبدأ الجزء الثانى من السورة بالردع والتنبيه ويحفل بالمتقابلات ، يقول : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (٧) وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (٨) كِتابٌ مَرْقُومٌ) (٩) ، وتقابل : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (١٩) كِتابٌ مَرْقُومٌ) (٢٠) ، فكلّا فى الآية الأولى كلمة ردع وزجر ، وكلا فى الآية الثانية تعنى حقا ؛ والفجار تقابل الأبرار ، والفاجر هو الذى ما عاد يخشى أحدا ولا يهمه حساب ولا نار ولا قيامة ، وعكسه البار من البرّ الذى هو الخير. والفجّار يناسبهم سجين ، وهو أحط درك من دركات جهنم ، وكأنه السجن الذى لا يوصف لفرط بشاعته ، وقيل لذلك ربما هو ضرب مثل وإشارة إلى أن أعمالهم السيئة لا تصعد إلى الله ، وإنما حبيسة الدناءة والسفالة اللتين كانتا له ؛ وعكسه علّيون : أى الذرى حيث الجنة ، فإذا كان الفجار فى أسفل سافلين ، فالأبرار فى عليين. وقوله : «وما أدراك ما سجين» ، «وما أدراك ما عليون» استفهام للتعظيم والتهويل ، يعنى : هل تعلم ما سجين ، وما عليون؟ والكتاب المرقوم أى المرقّم ، فلم تسقط منه ورقة ، ولا ضاع منه شىء ، وإنما هو كتاب محفوظ. والمكذّبون فى السورة الذين يتوعدهم ، كذّبوا بيوم القيامة وبالبعث والنشور ، وهم فى التعريف معتدون آثمون ، كلما تلا عليهم القرآن ألغوا فيه وقالوا أساطير الأولين ، يعنى خرافات السابقين من الأمم ، ومن هؤلاء كان الوليد بن المغيرة ، وأبو جهل ونظراؤهما ، كسبوا الكفر فران على قلوبهم ، والران هو أن تتراكم الذنوب على بعضها ، فكلما أذنب ذنبا اسودّت نقطة فى القلب وصار الذنب كالثقب ، حتى ليصبح القلب كالمنخل أو الغربال الصدئ ، ويوم القيامة يحجب عنهم ربّهم رحمته ، ويصلون الجحيم جزاء وفاقا. وأما الأبرار : فكتابهم مفخرة لهم ، ومن فرط طهارته فإن الملائكة تقبل عليه وتنظر ما به من صالحات. والنعيم مقام الأبرار ؛ وللنعيم نضرة ، وسقياهم من رحيق مختوم بالمسك ، ومزاجه من تسنيم ، جاء فى تعريفها أنها عين يشرب بها المقرّبون ، وكل ذلك من الغيب ونتصوره فنرضى به ونسعد وتشحذ هممنا إليه ، ويتنافس عليه المتنافسون. وخلاصة هذا النعيم فى الآية : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) (السجدة ١٧). وعكس هؤلاء وفى مقابلهم المجرمون وكانوا يستهزءون بالمؤمنين ويتغامزون عليهم ويتفكهون بهم فى رواياتهم ، ويصفونهم بالضلال ، مع أنهم لا شأن لهم بهم ، ولم يوكلوا عليهم ، وها هى الآية قد انقلبت فصار المؤمنون فى النعيم يضحكون مما آل إليه أمر الكفار. نسأله تعالى أن يرينا فى المجرمين بعض الذى وعدهم ، وهو عليهم مقتدر ، وحسبنا الله.
* * *