بصيرا ، مدبّرا ، حكيما ، وهذه صفات الربّ سبحانه. وفى الخبر : «إن الله خلق آدم على صورته» ، يعنى على صفاته هذه السابقة ، وقيل : خلقه على ما هو عليه ، أى على الصورة التى عليها آدم ، ولذا نقول عن الصورة الكاملة أنها أيضا الصورة الآدمية ، وهى مقصود الآية التى نحن بصددها ، وإلا فإن الصورة الجسمية أو الواقعية التى هى لكل إنسان على حدة ، قد تكون على القبح ، أو مشوهة ، أو بها عاهة ، وتتفارق الصور ، والناس على القبح والجمال ليسوا سواء ، والمصاب بالجذام ليس على أحسن صورة بالقطع ، وإذن فالكلام فى الآية عن هذه الصورة الكاملة ، وهى الصورة المسوّاة المعدولة ، والكلام فيها من باب الحكمة التى يعطونها عند الغربيين اسم الفلسفة ، والله تعالى هو الحكيم ومعلّم الحكمة ، والقرآن كما هو كتاب فى التشريع ، وفى العلوم ، فهو أيضا كتاب فى الحكمة أو فى الفلسفة ، وصدق الله تعالى وقد قال فيه : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) (الأنعام ٣٨) والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب.
* * *
٦٦٥. سورة المطففين
السورة مكية وكانت آخر سورة تنزل بمكة ؛ وقيل إنها مدنية لمّا قدم النبىّ صلىاللهعليهوسلم المدينة وكان أهلها أخبث الناس كيلا فأنزلها الله ، غير أن السورة لها نفس أهداف السور المكية ، وتعالج مثلها أمور العقيدة ، ولها أسلوب ومنهج السور المكية. وقيل السورة نزلت فى رجل يعرف بأبى جهينة ، واسمه عمرو ، وكان له مكيالان ، أحدهما ناقص والآخر زائد ، فإذا أخذ لنفسه أخذ بالمكيال الزائد ، وإذا أعطى الناس أعطاهم بالمكيال الناقص. وفى القرآن أن الله تعالى أهلك قوم شعيب لبخسهم الميزان ، والميزان لا يكون فقط فى الأشياء الحسية ولكنه أيضا فى الأشياء المعنوية : (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) (الأعراف ٨٥) ، والأشياء قد تكون أعمالا تجارية أو صناعية أو فنية ، والتطفيف قد يكون فى الوضوء والصلاة ، وفى الأحكام ، والرواية ، ولكل شىء وفاء وتطفيف. والمطفّف مأخوذ من الطفيف وهو القليل ، وعلى ذلك فالمطفّف : هو المقلّ لحقّ من الحقوق مهما كان ، وقيل للفاعل مطفف لأنه لا يكاد يسرق من المكيال والميزان إلا الشيء الطفيف الخفيف ، أخذ من الطّفّ للشيء أى من جانبه. وفى قوله تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) (١) توعّد لهم بالهلاك والعذاب ، وتهويل بما سيحدث لهم يوم الحساب. وفى السورة تعجّب وإنكار من حال هؤلاء المطففين : (أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ) (٤) ، والاستفهام الذى صيغ به الإنكار والتعجب يزيد الصورة قتامة ، لأنهم إن كانوا يعلمون أنهم سيبعثون ليوم