الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤) يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ) (١٥) ، والأبرار : هم المؤمنون وهم اليوم فى نعمة العصمة ، وغدا هم فى الكرامة والنعمة ؛ والفجّار : هم العصاة الكفرة ، وهم اليوم باستحقاق اللعنة والإصرار على الشرك الموجب للإدانة ، وغدا هم فى النار على وجه التخليد والتأبيد. ونعيم الأبرار الحسّى : الجنة بما حوت من طعام وشراب ونساء ورفاهية ؛ ونعيمهم المعنوى : فى روح الذكر ، وفى الأنس بالله. وجحيم الفجار الحسّى : النار والشّوى والحرق ؛ وجحيمهم المعنوى : ضيق القلوب ، والتّسخّط أنهم أساءوا التقدير والتدبير والاختيار. ويوم الدين هو يوم الحساب ، كقوله : (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) (١٨)؟ يتكرر عنه السؤال ، تهويلا وتخويفا وإنذارا وتحذيرا ، وذلك من أساليب القرآن ، وفى التكرار تأكيد وتنبيه ، كقوله تعالى : (كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ) (٩) ، «وكلّا» للتأمين والتأكيد والتنبيه بمعنى حقا ، أى إنكم حقا لتكذّبون بالدين. ومن مصطلحات السورة : يوم الدين : وهو يوم الحساب ، يصدّق به الأبرار ، ويكذّب به الفجّار ، يقولون : (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) (٤٦) (المدثر) وقوله : (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) لا يرد إلا فى هذه السورة ، وكلما أريد التهويل والتضخيم كان استخدام «ما أدراك» ، يقول : (وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ) (٥) (الهمزة) ، (وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ) (٣) (القارعة) ، (وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) (٢) (القدر) ؛ ويوم الدين : الأمر فيه لله من قبل ومن بعد ، وفيه تنقطع الدعاوى. وفى قوله : (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) (٨) ، الصورة : مصطلح من الفلسفة ، ولكل إنسان صورتان ، الأولى هى : الصورة الجسمية : وهى ما يكون الشيء عليه بالفعل وهى صورة ناقصة ، وتسمى الصورة المخصوصة ؛ والثانية هى : الصورة الباطنة : وهى الشكل أو السمت الذى عليه جنس من الأجناس ، وصورته الباطنة بمعنى أن كل الناس مثلا وإن اختلفوا ظاهرا ، إلا أنهم باطنا بشر ، ولهم صورة واحدة كامنة كبشر ، ولأنها للجميع فهى كاملة وتامة ، وتسمى لذلك الصورة الكاملة. وفى السورة فإن المعنى الذى تنصرف إليه الصورة فى الآية : أنها الصورة الباطنة ، لأن الخطاب فيها للإنسان ، وصورة الإنسان هى أكمل صورة خلقية لأى من المخلوقات الدنيوية ، وفيها قال تعالى : (فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) (٨) ، وعند الإغريق يعطون الصورة الكاملة المسوّاه المعدولة اسم الانتلخيا يعنى المنوال أو القالب. وكان ابن عربى (١١٦٥ ـ ١٢٤٠ م) كفيلسوف إسلامى معنيّا بالتفسير القرآنى الباطن ، ولمّا تناول صورة الإنسان لم يتحدث إلا عن الصورة الكاملة دون الصورة الجسمية فقال : ليس لله تعالى خلق أحسن من الإنسان ، فإنه تعالى خلقه حيّا ، عالما ، قادرا ، مريدا ، متكلما ، سميعا ،