٦٦٤. سورة الانفطار
السورة مكية ، وآياتها تسع عشرة ، وكان نزولها بعد سورة «النازعات» ، وترتيبها فى المصحف الثانية والثمانون ، وفى التنزيل الثانية والثمانون أيضا ، وتشبه سورة «الانشقاق» ، وتبدأ مثلها بذكر انفطار السماء ، بقوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) (١) ، كقوله فى سورة «الانشقاق» : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) (١) ، وانفطارها أو انشقاقها يعنى انصداعها ، ولا يكون ذلك إلا يوم القيامة ، فتمور السماء وتنفرج وتنكشط ، فهى كالمهل ـ أى كالرماد ـ وهى يومئذ واهية ، والحدث جليل ، ومن أشراط الساعة وعلاماتها. وفى ذلك اليوم تنتثر الكواكب فلا شىء منها فى مكانه ، وتتفجّر البحار ، وتغرق اليابسة ، وتتبعثر القبور وتنشق عن الأموات يبعثون أحياء يسعون إلى ربّهم : (ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) (٤٢) (ق) ، مهطعين إلى الداعى ، وقد تيقّنوا أن ما كان قد دعاهم إليه الرسل حق ، ولكنهم لم يولوه اهتمامهم ، وانصرفوا عنه بأمور دنياهم ، وقدّموها على أمور الآخرة ، فلم كان ذلك؟ ولما ذا هذه اللامبالاة من الإنسان؟ وما الذى يجعله يكفر ويعصى؟ يقول تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) (٦) ، فوصف نفسه بالكرم لأنه يتجاوز ويعفو عن كثير ، وغرّ الإنسان كرمه تعالى به ، ولو لا كرمه ما عصاه ولا أخطأ ؛ أو أن الإنسان كما قال عمر : غرّه شيطانه الخبيث ، أو شيطانه المسلّط عليه ، أو قال : غرّه حمقه وجهله. ولما قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) (٦) قال : «غرّه الجهل» ، أو قال : «غرّه جهله». وقال عمر : كما قال الله تعالى : (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (٧٢) (الأحزاب). وقيل : غرّه عفو الله ، لأنه لم يعاقبه فى أول مرة. وسئل الفضيل بن عياض : لو أقامك الله تعالى بين يديه يوم القيامة ، فقال لك : (ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ)؟ ما ذا كنت تقول؟ قال : كنت أقول : غرّنى ستورك لى ، لأنك الكريم ، والكريم ستّار. وقيل : إن المؤمن يثق بحسن إفضال الله ، ويغتر بطول إمهاله ، فيرتكب الزلّة ، لا يستحلها ، ولكنه طول حلم الله تعالى عنه يحمله على سوء خصاله ، ومع ذلك فلم تتوقف أفضاله ، فهو الذى خلقه فى أحسن تقويم ، وسوّاه فى بطن أمه ، وأنشأه معتدل القامة ، وركّب أعضاءه على الوجوه الحكيمة ، وفى أى صورة ما شاء ، لا يتشابه اثنان ولا يتماثلان فى الخلقة ولا فى الخلق ، وعلّمه ورزقه ، ومع ذلك يكذّب بالدين ، وينكر يوم القيامة ، ويجحد ربّه ، ويسفّه البعث والحساب! وكل ذلك مرصود عنه ، يكتبه ملائكة رقباء لا يفارقونه ، كقوله تعالى : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (١٨) (ق) ، فلا تخفى عليهم أعماله وأقواله ، كقوله : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) (١٢). ويوم القيامة ينفرق الناس فريقين ، كقوله تعالى : (إِنَ