وتطوى (كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) (الأنبياء ١٠٤) ؛ وأن تسعّر الجحيم وتوقد ، وتضرم للكفرة الفجرة ، يسعّرها غضب الله وذنوب العباد وخطاياهم ؛ وأن تزلف الجنة ، ويقرّب منها المتّقون ؛ وأن تعلم كل نفس ما أحضرت من خير وشر. فتصبح مجموع علامات الساعة : اثنتا عشرة علامة ، ستة فى الدنيا ـ كما قلنا ، وستة فى الآخرة. وقوله تعالى : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) (١٤) جواب (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) (١) وما بعدها من آيات ، والمعنى : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) (١) وكانت هذه المجريات ، علمت نفس ما أحضرت من عملها. وقيل : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) (١) قسم وقع على قوله : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) (١٤).
وتتكون سورة التكوير من ثلاثة أجزاء ، والقسم الأول وجوابه يشكّلان الجزء الأول ، ويبدأ من : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) (١) حتى : (وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ) (١٣) وجوابه : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) (١٤) ؛ ويبدأ الجزء الثانى بالقسم كذلك ، ويستهل بقوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوارِ الْكُنَّسِ (١٦) وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) (١٨) فهذه الظواهر الثلاث من الطبيعة أيضا ، فالخنّس هى النجوم والكواكب التى تخنس بالنهار وتكنس ، أى تختفى وتستتر كما تكنس الظباء فى المغار ، وتظهر بالليل ، وأكبرها : زحل ، والمشترى ، وعطارد ، والمرّيخ ، والزّهرة ، سميت خنّسا لتحيّرها بين الظهور والاختباء ، وسميت مخابئها كنس جمع كناس. وعسعسة الليل : إقباله أو إدباره ، فهى من الأضداد ، والمعنى مرجعه واحد ، وهو ابتداء الظلام فى أوله وإدباره فى آخره ، وبعد الليل يتنفس الصبح ، أى يقبل ويظهر بنوره وضيائه. وقوله : «لا أقسم» من أساليب القرآن ، وتأتى فيه ثمانى مرات ، مثل : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) (٧٥) (الواقعة) ، وقوله : (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) (٢) (القيامة) ، وقوله : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) (المعارج ٤٠) ، و «لا» لتأكيد القسم لا لنفيه ، وليست زائدة كما يقول البعض ، فلا شىء زائد فى القرآن. وجواب القسم قوله : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١) وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣) وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (٢٤) وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) (٢٥) ، والرسول المقصود هو جبريل وليس النبىّ صلىاللهعليهوسلم كما قال البعض ، وهو كريم على الله ؛ وذو قوة عند ذى العرش أى الله تعالى ، يعنى له منزلة ومكانة ؛ وهو مطاع ثم ، أى مطاع هناك ، يعنى فى السموات ، وأمين : مؤتمن على الوحى. وقوله : (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) (٢٢) جواب القسم ، يعنى بصاحبكم النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وصفه بأنه صاحبهم ، من الصحبة أى الرفقة والزملة ، والصاحب هو الملازم ، والملازمة قد تكون بالبدن وأكثرها الملازمة المعنوية ، فالصاحب صاحب ولو تناءت الديار والأجسام ، وبعدت