القيامة ، فتتفجّر الشمس تفجيرات نووية ، تبلغ من شدّتها أن يتجوّف داخلها ، وتمور كالدوامة وتسوّد ، وتصبح كالكرة يتقاذفها الفضاء ، وذلك من علامات هذا اليوم الحافل بالأحداث والانقلابات الكونية : فالنجوم تنكدر وتنطفئ ، وتذهب عنها ماهيتها : فهى لم تسم نجوما إلا لأنها تنجم ، أى تظهر بضوئها ، فإذا انكدرت واظلمّت وتساقطت ، لم تعد نجوما ؛ والجبال تسيّر : (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً) (الكهف ٤٧) ، يعنى أن الأرض تسرع عن سرعتها العادية ، فتبدو الجبال عليها كما لو كانت تسير فى الفضاء ، وتمخر السحاب ، أو أنها تصبح هباء منثورا ، وتكون سرابا ، أو مثل السراب الذى ليس بشيء ، أو أن الأرض تنسطح وتستحيل قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ؛ والعشار تعطّل : فكل ما كان من الممكن أن يلد ، فلا يلد ، وتتوقف الوظائف الحيوية لكل كائن ، فلا الناس أو الحيوانات تطلب الطعام ، ولا النبات ينشد الماء ، ولا النساء الحوامل يضعن ، فالطبيعة كلها معطلة ، وقوانينها وسننها لا يعمل بها ؛ والوحوش تحشر وتجمع ؛ والبحار تسجّر ، وتمتلئ بالماء وتفيض ، وتغرق اليابسة ، وتأتى على الأخضر واليابس ، ولا فرق بين بحر وبحر ، ولا بين بحر ونهر ، وما كان بينها من برازخ صارت لا تعمل ، فاختلطت المياه ، وبطلت خواصها ، فلم تعد تطفىء النيران ، وصارت كأنها تطفح بالمواد المشتعلة ؛ وتتأجج ، وذلك من عجائب هذا اليوم ، وأهل العلم يفسرون هذه الظاهرة بأن قيعان البحار ملتهبة ، فإذا كان يوم القيامة اندفعت الحمم من القاع فتشتعل سطوح الماء بها. فهذه ستة ظواهر للطبيعة من خارج الدنيا من علامات القيامة ، وهناك ستة أخرى تخصّ الآخرة. ، هى : أن تزوّج النفوس ، ويقرن كل إنسان مع الذين كانوا يعملون عمله فى الدنيا ، فالفاجر مع الفاجر ، والبار مع البار ، وكل شكل بشكله من أهل الجنة أو أهل النار ، جعلوا أزواجا على أشباه أعمالهم ، وتقرن الأرواح بالأجساد وتردّ إليها ، وتقرن النفوس بأعمالها ؛ وأن تسأل الموءودة بأى ذنب قتلت ، والموءودة حقيقة : هى التى يقتلها أبوها عند مولدها خشية العار ، أو الإملاق ، أو السبى والاسترقاق. والموءودة مجازا : هى كل امرأة كانت لها مظلمة تسأل لما ذا ظلمت؟ وقيل : كانت المرأة فى الجاهلية إذا حملت حفرت حفرة وتمخّضت على رأسها ، فإن ولدت جارية رمت بها فى الحفرة وردّت التراب عليها ، وإن ولدت غلاما احتفظت به. وقوله : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ) (٨) سؤال توبيخ لقاتلها ، مثل قوله تعالى لعيسى : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) (المائدة ١١٦) على جهة التوبيخ والتبكيت لمن ألّهوه ، فكذلك سؤال الموءودة توبيخ لوائدها ؛ وأن تنشر صحف الأعمال ، ويعرف ما فيها من خير وشر ؛ وأن تكشط السماء كما يكشط الجلد ، وتنزع من مكانها