القيامة ـ يوم الصاخة كما تسميه السورة وتنفرد به دون سائر سور القرآن كلها ، وفيه تصخّ الأسماع ، أى يكون صوت الصور ، أى النفير ، من العلو بحيث يخرق حاجز الصوت ، فيحدث الموت دون تدمير ، لعدم قدرة الجهاز العصبى على الاحتمال ، وكما نقول ينفجر الجهاز العصبى مع زيادة أحمال الصوت عليه أكثر مما يمكن أن يستطيعه فى أسوأ الحالات ، وهو إعجاز علمى لم يكشف عنه إلا مع اختراع الطائرات التى تسير بسرعة أكبر من سرعة الصوت وتخرق حاجزه ، فكانت نوافذ المنازل تتحطم ، ويتدمّر الزجاج. ويأتى أروع بيان ليوم القيامة فى قوله تعالى : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) (٣٧) ، والصورة أبلغ من أى كلام ، والهول الذى ترسمه ألفاظا هول عظيم ، والخطب الذى تخطّه عبارات ، خطب جليل ، فكل إنسان يلقى من كان ألصق الناس به قرابة ، وأحبّهم إلى نفسه ، فلا يعرفه ، فلا قابيل يعرف هابيل ، ولا هارون يعرف موسى ، ولا آدم يعرف حواء ، ولا نوح يعرف ابنه ، ولا إبراهيم يعرف أباه ، ولا لوط يعرف امرأته ، وكل واحد منهم لا يقول إلّا : «نفسى! نفسى!». ولمّا قال الرسول صلىاللهعليهوسلم لعائشة إن الناس يوم القيامة يبعثون عراة ، استهولت ذلك وسألت : أو يرى بعضنا عورة بعض؟! قال : يا عائشة! الأمر أشدّ من أن ينظر بعضهم إلى بعض! : «لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه»! ـ وفى هذا اليوم يأتى أن الناس صنفان ، فإما مسفر الوجه ضاحك مستبشر ، فذلك هو المؤمن ، وإمّا مغبّر الوجه أسوده يغطيه الكسوف ، فذلك هو الكافر الفاجر ، وكما قالت عائشة : وا سوأتاه من يوم القيامة! وكما فى الحديث الصحيح فى أمر الشفاعة فى هذا اليوم من شدّة الخطب على الناس أنه : حتى عيسى ابن مريم يقول : لا أسأل الله اليوم إلا نفسى! لا أسأله مريم التى ولدتنى! ـ يعنى لا يسأل ربّه الشفاعة فى أمه! فأى يوم هذا على الكافرين عسير! وهذه السورة إنما ليتعظ الكافرون ، ويعتبر المؤمنون ، فهل من مذكّر؟ نسأل الله النجاة والعافية ، والحمد لله ربّ العالمين على منّة الإسلام ونعمة القرآن المبين.
* * *
٦٦٣. سورة التكوير
السورة مكية ، والسور المكية عموما تتناول من موضوعاتها العقيدة ، وتخصّ بالكثير من آياتها يوم القيامة ، وأكثر السور المكية احتفالا بهذا اليوم ثلاث سور : التكوير ، والانفطار ، والانشقاق. وكان نزول سورة التكوير بعد سورة «المسد» ، وآياتها تسع وعشرون آية ، وترتيبها فى المصحف الواحدة والثمانون ، وفى التنزيل السابعة. ويشتق اسمها من استهلال السورة بقوله تعالى : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) (١) ، وتكويرها لا يكون إلا يوم