٦٦٢. سورة عبس
السورة مكية ، وترتيبها فى المصحف الثمانون ، وفى التنزيل الرابعة والعشرون ، وآياتها ثنتان وأربعون ، ومناسبة نزولها أن النبىّ صلىاللهعليهوسلم كان مجتمعا مع بعض الكبراء من قريش ، فجاءه ابن أم مكتوم «الأعمى» يقول : يا رسول الله أرشدنى ، فجعل رسول الله يعرض عنه ويقبل على من كانوا معه ، وابن ابن مكتوم يلاحقه ويلحّ عليه حتى رؤيت الكراهة فى وجهه صلىاللهعليهوسلم ، وحتى عبس وبسر. وكان من المجتمعين به : الوليد بن المغيرة ، أو أنه كان أمية بن خلف ، وربما كان المجتمعون به جماعة ، قيل هم : عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبىّ بن خلف. وربما لم يكن معه إلا العباس بن عبد المطلب ، وكان النبىّ صلىاللهعليهوسلم يحاول إقناعهم بالإسلام ويستميلهم إليه لعلهم يهتدون فيهتدى بهم آخرون ، وبدا كأن اعتراضهم كان منصبّا على نوعية المؤمنين به ، من أمثال ابن أم مكتوم الأعمى ، والعبيد كبلال ، والسفلة كعمّار ابن ياسر.
وآيات السورة تجىء موجزة ومحكمة ، وفيها من وجوه البيان والبلاغة الكثير ، فهناك الجناس : كما فى قوله : «يذّكر ، والذكرى» ؛ والطباق : كما فى قوله : «تصدّى وتلهّى» ، والكناية : كما فى قوله : «ثم السبيل يسّره». ومن وجوه الجمال فى السورة أن تبدأ بقوله : (عَبَسَ وَتَوَلَّى) (١) تخبر عن النبىّ صلىاللهعليهوسلم بالغائب ، تعظيما لقدره ، فلم تقل «عبست وتولّيت» ، ثم يواجهه الله تعالى بالخطاب فيها تأنيسا له فيقال : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) (٤) فبيّن أن المؤمن مخلص لربّه رغم فقره ، وسعيه لله على الحقيقة ، والكافر مستغن بماله وعياله لا أمل فيه ولا رجاء. وما كان له وهو النبىّ صلىاللهعليهوسلم أن يتعرّض للمستغنى ويلحف عليه ، ولا أن يتغافل عن المؤمن ويتلهّى عنه ، فترك الأولى ، ولم يجعل نذارته للجميع على السواء ، لا يختص بالهداية أحدهم دون الآخر. والسورة إعلان بالمساواة بين الناس ، بصرف النظر عن أن هذا شريف وذاك ضعيف ، أو أنه غنى والآخر فقير ، أو أنه من الكبراء والآخر من الصغراء ، فالإسلام دين المساواة ، وهو أول دين يحفل بالمعوقين ، ويوليهم كل العناية ، ويرفع عنهم الحرج ، يقول : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) (النور ٦١) ، وأول دين يؤكد أن الناس عند الله بتقواهم وليسوا بأموالهم ولا أهاليهم. «وأمّا» فى السورة للتفصيل ، فالناس إما مؤمنون مصدّقون ، وإما كفرة مكذّبون. وقوله تعالى : (كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ) (١١) فيه تشديد على النهى عن معاملة الناس على أساس التفرقة بينهم إلا بالحق ، وفيه الحثّ على المساواة بين الناس فى إبلاغ العلم ، فلا تمييز فى العلم بين شريف ووضيع ، أو بين معوّق وصحيح. ومن