أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (١٤٣) (الأعراف) ، يعنى بأول المؤمنين أنه آمن به ولم يره رأى العين ، وإنما رأى فعله ، فاكتفى به ، وتاب إليه أن يسأله الرؤية مرة أخرى ، فهذه هى المعجزة الكبرى ، رؤيته للجبل يتصدّع لما تجلّى له نور الله ، وبسبب ذلك صعق موسى صعقا.
ومن الإعجاز العلمى للقرآن فى هذه السورة ردّه تعالى على من استكثر على الله أن يبعث الخلق قال : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١) وَالْجِبالَ أَرْساها (٣٢) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) (٣٣) فأضاف الليل إلى السماء ، لأن الأصل فيه هو الظلام ، ثم بعد ذلك خلق الضياء لمّا خلق الشمس ، فأظهر بضيائها الضّحى ؛ وقوله الأرض بعد ذلك دحاها ، لأنه علميا بترتيب الخلق ـ فإن السماء كانت أولا ثم كانت الأرض ، بعكس ما تقوله التوراة : أن الأرض كانت أولا ثم كانت السماء (التكوين ١ / ١ ـ ١٠). والأرض فى التوراة مستوية ولا ذكر فيها للجبال ووظيفتها ، بعكس القرآن الذى أرسى الأرض بالجبال ، وجعلها كالدحية أى البيضة ، منبعجة من ناحية ومسحوبة من ناحية أخرى ، يعنى أنها ليست كروية ولكنها كروانيةSpheroid أى شبيهة بالكرة ، وما دامت كذلك فهى دوّارة ، وفى دورانها تنبسط وتتطاول Prolate من ناحية وتنبعج oblate من ناحية أخرى ، وانبساطها يعنى اتساعها ، والتوراة تنقل عن البابليين ، وكانوا يقولون الأرض مسطحة منبسطةFlat ، وكان المصريون أول من فكر أنها كرويةSpherical ، وأخذ فيثاغورس واليونان عنهم ذلك ، وأكده أرسطو فى القرن الرابع قبل الميلاد ، وأقام عليه إراتوسنيس علم الجيوديسياGeodesy ـ علم دراسة شكل الأرض بقياس سطحها ـ ولم يقل أنها كالدحية إلا كوبرنيق المتوفى سنة ١٥٤٣ م ، بينما توفى النبىّ صلىاللهعليهوسلم سنة ٦٣٢ م ، يعنى التأثر يكون من كوبرنيق وليس من النبىّ صلىاللهعليهوسلم!! لأنه صلىاللهعليهوسلم الأسبق! وذهب إلى نفس الرأى نيوتن ، وكان أيضا بعد النبىّ صلىاللهعليهوسلم (توفى سنة ١٧٢٧)! ونظرية القرآن ليست لتقرير الحقيقة ، بقدر ما هى للوعظ والتدبّر ، وللردّ على المكذّبين ، وأما نظرية التوراة فهى للتقرير. وفى التوراة يكون النهار قبل خلق الشمس!! وعكس ذلك فى القرآن ، فذلك ما يثبت أن القرآن كتاب من عند الله ، وأن محمدا صلىاللهعليهوسلم نبىّ مرسل من عنده تعالى ، وليس معنى مصادقة العلم على القرآن ، أنه كتاب فى العلم ، ولكنه كتاب لا يناقض العلم ولا يخالفه. والحمد لله على نعمة الإسلام والقرآن.
* * *