وفى قصة موسى مع فرعون ، تربط السورة بين ما جرى لفرعون عند ما أنكر موسى وما يمكن أن يجرى لقريش بإنكارهم للنبىّ صلىاللهعليهوسلم. ويتهم المستشرقون النبىّ صلىاللهعليهوسلم بالنقل عن التوراة لمّا احتك باليهود فى المدينة ، وأن ما تعلمه من اليهود أذاعه ضمن القرآن كوحى من الله. غير أن سورة النازعات تثبت بطلان ما زعموا ، لأنها من السور المكّية ، ولم يكن النبىّ صلىاللهعليهوسلم وقت نزولها قد عرف اليهود بعد! وما ورد فى السورة عن موسى وفرعون لا يختلف فى كثير أو قليل عمّا ورد عنهما فى السور المدنية ، الأمر الذى يثبت أن كل ما ورد بالقرآن ، على ظن أنه منقول من التوراة ، ليس إلا وحيا ، وأنه جاء مصدقا بالتوراة إلا ما حرّف منها.
واسم النازعات ـ كعنوان للسورة ـ من قوله تعالى فى بدايتها : (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً) ، يقسم بالنازعات ، وهم صنف من الملائكة من خمسة أصناف جرى القسم بهم فى مقدمة السورة ، وهم أولا : النازعات الذين وصفهم بالغرقى ، لأنهم الملائكة المنوط بهم الإماتة للأحياء ، والإفناء للأشياء ، ولأن عملهم يستوجب العنف ، ويستغرقهم ، كإغراق النازع فى القوس أن يبلغ به غاية المدّ ، وكل نزع يستلزم القوة ، فهم أقوياء ، وعلى الأرجح شداد غلاظ ، وقيل فى ملك الموت أنه ينزع الأرواح كما ينزع اللحم عن السّفّود ـ وهى الحديدة التى يشوى عليها ، فيكون اللحم ملتصقا بها يتطلب نزعه جهدا. وكذلك الأشياء يتطلب إفناؤها نزعا يستغرق النازع. وأما الصنف الثانى فهم : الناشطات نشطا من الملائكة ، وهم العمّال والشغّيلة ، كمثل شغّيلة النمل أو النحل ، يدأبون على العمل لا يملّون ولا يكلّون. والصنف الثالث من الملائكة هم السابحات سبحا ، يسبحون ، أى يسيحون ويجولون فى الكون ، فهم يستكشفون ويراقبون. والصنف الرابع هم : السابقات سبقا ، لأنهم يسبقون إلى الإبلاغ إلى ربّهم وعن ربّهم ، وينقلون عن الملائكة السابحات وإليهم. وأما الصنف الخامس فهم : المدبّرات أمرا ، وهم الملائكة ، يدبرون قضاء الله وأمور الناس والعالم ، وأحوال الأرض والطقس ونظام الكون ، وكان الناس فى الديانات الوثنية ينسبون التدبير للنجوم ، وما يزال ذلك دأب المنجّمين. وجواب القسم لما سبق : هو أن البعث حق ، ويوم القيامة صدق ، وأنه يوم يتزلزل فيه الكون ويرجف ، وتوجف القلوب. وقيل عن الراجفة فى السورة : أنها الصيحة الأولى التى تكون بها الزلزلة وفناء كل شىء ، وأن الرادفة : هى الصيحة الثانية تردف الصيحة الأولى وتتلوها ، ويقوم بها الأحياء سعيا إلى الله ، وفى الحديث : «جاءت الراجفة تتبعها الرادفة : جاء الموت بما فيه» ، والنصف الأول من الحديث يفسّره النصف الثانى.