أو شرّ ، وكل ما فعله سيجده محضرا ، وعندئذ سيقول الكافر : يا ليتنى كنت ترابا ، ولم أخلق إنسانا ، ولم أخرج إلى الوجود. وقيل إن الكافر المقصود هو أبو جهل ، إلا أن السورة عامة فى كل الناس. وقيل إن قوله تعالى : (ما قَدَّمَتْ يَداهُ) (٤٠) تنزّل فى أبى سلمة بن عبد الأسد المخزومى ، وقوله : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) (٤٠) تنزّل فى أخيه الأسود بن عبد الأسد. وهو شبيه بقوله تعالى : (يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ) (٢٥) (الحاقة). وفسّر البعض الكافر بأنه إبليس ، لأنه عاب آدم أن الله خلقه من تراب ، وافتخر أنه خلقه من نار ، فإنه يرى آدم يدخل الجنة يتمنّى لو كان من تراب مثله. يقول : يا ليتنى خلقت من التراب ولم أقل أنا خير من آدم!
وبعد .. ، فهذه هى سورة النبأ ، فيها الكثير من الغيب ، وتتميز عباراتها بالحركة والديناميكية ، وتأتى غاية فى الحبكة ، وآية فى الوصف ، وفيها الكثير من التفاصيل الدقيقة ، والمعانى اللطيفة. والحمد لله على أن أعطانا القرآن وهدانا إلى الإسلام.
* * *
٦٦١. سورة النازعات
«النازعات» من السور المكّية التى تتناول مسائل العقيدة ، وتركّز على الردّ على المتشككين فيما ورد عن القرآن والرسول صلىاللهعليهوسلم من القول بالبعث ، وأن هناك يوما موقوتا تكون فيه الساعة وتقوم القيامة. وتخوّفهم مما حاق بفرعون موسى لمّا كذّب مثلهم ، فاستحق ما نال من نكال الدنيا والآخرة ، فما من متأمّل للكون يرى خلق الله للسماوات والأرض ، وكيف أرسى الأرض بالجبال ، ورفع السماء ، وأنزل منها الماء ، وفجّره عيونا فى الأرض ، وأنبت به الزرع ، متاعا للناس ولأنعامهم ، إلا ويدرك أن من يقدر على خلق كل ذلك فهو أقدر على رجعه وبعثه بعد موته أو فنائه ، لأن الإعادة أسهل من الإنشاء ، فإن أنكر وأصرّ فليعلم أن مآله النار ، وإن آمن فالجنة مأواه ومستقره ، وأما المتشكك المرتاب فلن يسعه أمام الأدلة على إمكان البعث إلا أن يدع السؤال عن الساعة. وتنفى السورة عن النبىّ صلىاللهعليهوسلم أن يكون عالما بالساعة وموعدها ، وكان اليهود يلحّون عليه بالسؤال ، فلمّا سأل جبريل عنها أجابه : «ما المسئول عنها بأعلم من السائل» ، يعنى : أنه مثله لا يعلم عنها ، فالساعة من الغيب ، والله وحده يستأثر بعلمه ، والنبىّ لم يكلّف إلا بتذكير الناس وتحذيرهم من هذا اليوم ، وفيه يموت الجميع إذا نفخ فى الصور أول نفخة ، فإذا كانت النفخة الثانية قام الأموات يحتشدون زمرا إلى الحساب ، ولو سألتهم كم بقوا فى الدنيا ، لقالوا ما كانت حياتهم فيها إلا سويعات من ليل ونهار.