١٠٤. كل عسى فى القرآن واجبة
حيثما وقعت عسى من القرآن فهى واجبة ، كقوله تعالى لنبيّه : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (٧٩) (الإسراء) ، يعنى سيبعثك مقاما محمودا ، وهو الشفاعة ؛ وقوله (عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا) (٨٤) (النساء) وهو وعد من الله بكفّهم ، وعسى من الله تفيد التحقيق ، وقد كفّهم الله تعالى فعلا بهزيمتهم ؛ وقوله : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَ) (يَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ) (١٢٩) (الأعراف) ، وقد أهلكهم فعلا ـ قوم فرعون ؛ وقوله : (عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٠٢) (التوبة) ، قال الطبرانى : وعسى من الله واجب ، ومعناه : سيتوب الله عليهم ؛ وقوله : (عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً) (٨٣) (يوسف) ، وقد أتاه الله بهم فعلا ـ يعقوب وابنه يوسف وأولاده ؛ وقوله (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) (٨) (الإسراء) ، يعدهم بأن يرحمهم ؛ وقوله : (عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً) (٢٤) (الكهف) ، وقد هداه فعلا. وفى القرآن يتكرر ذلك أربع عشرة مرة ، وفى كل مرة يكون المعنى إما أنه حدث فعلا ، أو أنه وعد من الله بذلك.
* * *
١٠٥. القرآن حبل الله
فى الحديث : «إن هذا القرآن هو حبل الله» ، والحبل هو السبب الذى يوصل به إلى البغية والحاجة ، وفى قوله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) (١٠٣) (آل عمران) : الاعتصام هو المنعة ، وعن الآية قال ابن عباس وابن مسعود : حبل الله القرآن. وقالوا : حبل الله هو الجماعة والتمسّك بها ، وفى الشعر : إن الجماعة حبل الله فاعتصموا ، والصحيح أن القرآن هو حبل الله ...
* * *
١٠٦. القرآن يدعو إلى الحواريين الأديان
القرآن كله حوارات ، والحوار وسيلته لبلوغ الحق ، والأصوب أن نقول : إن المحاجاة هى وسيلة القرآن ، وأنه كتاب يقوم على الحجاج ، وخير أدلتنا على ما نقول الآية : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (٦٤) (آل عمران) ، وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى ، وخاطبهم بذلك لأنهم لا يدعون إلى الله ، فاليهود يقدّسون شعبهم ويدعون له ، ويريدون أن تكون لهم الحكومة العالمية ، لأنهم فى زعمهم صفوة خلق الله ، ثم إنهم صدّقوا عزرا أو عزيز ، فيما ادّعى أنه التوراة ، وفيه غيّر وحرّف ما شاء له ذلك ؛