التوراة قال : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (٤٤) (المائدة) ، والذكر هو القرآن ، أو كل تعالى حفظه إلى نفسه ، وأما التوراة فأوكل حفظها إلى أنبياء اليهود والربّانيين والأحبار ، وهم بشر ، فضيّعوها وبدّلوا فيها ، وغيّروا. وقيل فى ذلك حكاية لطيفة : أن يهوديا دخل على المأمون فأغراه المأمون أن يسلم ، فقال الرجل : دينى ودين آبائى. وبعد سنة عاد الرجل نفسه إلى المأمون وذكر أنه أسلم ، واختبره المأمون فوجده عالما ، فسأله عن سبب إسلامه فقال : انصرفت المرة السابقة من عندك فأحببت أن امتحن هذه الأديان ، وكان حظى حسنا ، فعمدت إلى التوراة ، فكتبت منها ثلاث نسخ ، فزدت فيها وأنقصت ، وأدخلتها البيعة (كنيسة اليهود) ، فاشتروها منى ، وعمدت إلى الإنجيل ، فكتبت ثلاث نسخ ، فزدت فيها وأنقصت ، وذهبت إلى الكنيسة ، فاشتروها منى ، ولم يجدوا فى كل ذلك زيادة ولا نقصانا ، سواء فى التوراة أو فى الإنجيل ، ثم عمدت إلى القرآن ، فكتبت ثلاث نسخ ، وزدت فيها وأنقصت ، وأدخلتها الورّاقين ـ مكان بيع الكتب ، فتصفّحوها ، واكتشفوا الزيادة والنقصان ، فلم يشتروها. فعلمت أن هذا الكتاب ـ القرآن ـ محفوظ ، فكان هذا سبب إسلامى!!
* * *
١٠٣. القرآن يحسم ما اختلف فيه بنو إسرائيل
اختلف بنو إسرائيل فى كل شىء فيما روى أنه جاءهم على رسلهم ، خاصة موسى ، وقالوا فى ذلك روايات شتّى ، وكانت لهم أحكام متباينة امتلأت بها كتبهم الخمسة المسماة بالتوراة ، وكتابهم التلمود ، وكتابهم المشناة ، وكتابهم الزوهار ، وسائر أسفارهم ، وكانت لهم مدارس فى ذلك افترقت عن بعضها البعض حتى كفّروا بعضهم البعض. والقرآن تعرّض لأغلب ما اختلفوا فيه ، سواء فى القصص ، أو فى الأحكام ، وفى الحلال والحرام ، والطلاق والزواج ، والبيع والشراء ، وفى ذلك نزلت الآيات : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) (٧٨) (النمل) ، فكشفت الآية عن مزايا أخرى للقرآن ، وأبانت أنه يتعرّض لقضايا يصحّح فيها بنى إسرائيل ، ويا حبذا لو كانت هناك دراسات إسلامية مقارنة ، تتناول هذه القضايا بالتحليل والتفسير ، فمثل تلك الدراسات هى التى يمكن أن تكون مدخلا سليما للدعوة للإسلام ، وجلاء تهافت كتب اليهود والنصارى.
* * *