وأهلك الأوائل لمّا كفروا. ويأتى الخطاب إلى من كفر ، بعد أن ينبههم إلى نعمه وخيراته ، وإلى قدرته وعلمه ، ليسألهم : لما ذا إذن الكفر؟ ولما ذا تكذّبون بالقرآن؟ ، ولما ذا تضحكون مستهزئين لاهين وكان الأولى بكم أن تبكوا؟ وتختتم السورة بالأمر الإلهى : اسجدوا لله واعبدوه ، فذلك أحرى بكم.
والسورة حافلة بالمصطلحات ، ومن مأثوراتها قوله : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) (٤) ، وفيه أن السنّة كالقرآن كلاهما من الوحى ؛ وقوله : (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) (٩) يقال لتصوير شدّة القرب ؛ وقوله : (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) (١٨) ، قالوا : رأى الله تعالى ببصره ؛ وقال آخرون : بقلبه ؛ وقالت عائشة : رأى جبريل وما رأى ربّه. وكيف يراه وهو تعالى يقول : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) (الأنعام ١٠٣) ؛ وقوله : (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) (٢٢) أى قسمة جائرة عن الحق ، ومائلة عن العدل والإنصاف ، من ضاز فى الحكم أى جار ، وضاز حقّه أى نقصه ؛ وقوله : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها) (٢٣) يعنى اخترعوها ولا دليل على صحتها ؛ وقوله : (ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) (٣٠) يقال تصغيرا لعلم الخصم ؛ وقوله : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) (٣٩) ، وقوله : (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٣٨) يعنى أن الإنسان يجزى بعمله ، ولذلك لم يجز بعضهم الصيام والصلاة والحج عن الميت ، ولم يقرّ بالشفاعة ؛ وقوله : (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) (٤٢) فمنه ابتداء المنّة ، وإليه انتهاء الأمان ؛ وقوله : (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى) (٤٣) أى لا فاعل إلا هو ؛ وقوله : (أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (٥٩) وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (٦٠) وَأَنْتُمْ سامِدُونَ) (٦١) : استفهام توبيخ.
ومن مصطلحات السورة : «سدرة المنتهى» : والسدرة شجرة ، وعندها كانت نهاية المعراج ، وهى التى ينتهى ويقف عندها الملائكة ؛ ومثلها مثل شجرة الحياة أو شجرة المعرفة التى ذاق آدم وحواء ثمارها فانكشفت لهما عورتاهما ؛ ومثل شجرة الزقوم التى تخرج فى أصل الجحيم ؛ فهذه ثلاث شجرات من الغيب ؛ وجنة المأوى : من الغيب ، ولا نعرف إلا موضعها عند سدرة المنتهى ؛ واللات : صنم لثقيف بالطائف من لفظ الله ، و «العزّى» : صنم لقريش وبنى كنانة من لفظ العزيز وهو الله ؛ و «مناة» : صنم لبنى هلال وهذيل وخزاعة ، يقال : منى الله الخبر لفلان أى قدّره ، وقيل : هذه الأسماء عندهم أسماء بنات الله ، الأولى : اللات ، والثانية : العزّى ، والثالثة : الأخرى (أى وهذه الأخرى الثالثة) وهى مناة. «وكبائر الإثم» : كل ذنب ختم بالنار ؛ و «الفواحش» : كل ذنب فيه الحدّ ؛ و «اللّمم» : هى الصغائر ، ولا يسلم من الوقوع فيها إلا من عصمه الله ؛ و «أزفت الآزفة» : قربت الساعة ؛