عربية يعتمدون فى ذلك على أنها لا تنصرف. وقيل : الفرق بين الطور والجبل : أن الطور به شجر ، والجبل يخلو منه ، اعتمادا على الآية : (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ) (المؤمنون ٢٠) ؛ والذين قالوا إن الطور كلمة سريانية ، اعتمدوا على أن بمدين جبل يسمى طور زيتا ، ومدين بالشام ، وإذن تكون الكلمة سريانية. والصحيح أن مدين بمصر على ساحل البحر الأحمر وليست بالشام ، وأن قبيلة مدين من القبائل العربية ، وأهلها هو قوم شعيب ، وشعيب نبىّ عربى. وهذه الأقوال فى نسبة الطور وسيناء إلى الشام يراد بها فى الحقيقة أنهما من فلسطين ، ويصبحان على ذلك من إسرائيل ، ويحق سلخهما من مصر ، فهل نفهم ذلك؟
وسورة الطور ـ ككثير غيرها من السور المكية ـ تبدأ بالقسم ، وهو فى هذه المرة قسم بخمسة أشياء معجزة ، ولها مكانتها عند الله تعالى ، وهى : الطور : وشرفه أنه المكان الذى كلم الله فيه موسى ؛ والقرآن : لأنه كلام الله إلى نبيّه صلىاللهعليهوسلم ؛ والبيت المعمور : قيل هو بيت فى السماء يقابل الكعبة على الأرض ، والصحيح أنه الكعبة ، معمورة بالمصلين والمؤمنين إلى أبد الآبدين ؛ والسقف المرفوع : هو السماء لأنه تعالى قال : (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ) (٣٢) (الأنبياء) ؛ والبحر المسجور : من قوله تعالى : (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) (٦) (التكوير) وهو معجزة ، فأن يكون بحرا ومع ذلك تشتعل فيه النيران وتتفجر منه الحمم ، فذلك شىء يومئذ عجيب! وقيل : الكتاب المقسم به ، والذى صفته أنه مسطور ومنشور فى الرقاق ، هو أى كتاب سماوى ، ومعنى أنه مسطور يعنى مكتوبا ، ثم إنه ليس كتابا محفوظا فى حرز كأم الكتاب ، وإنما هو منشور يقرأه الناس ، ومسطور على رقاق ، والرقاق من أشياء الدنيا ، ومن ثم فالقسم يكون قسما بكتاب من كتب السماء المنزلة إلى الدنيا ، غير أن هذا القرآن الذى منه هذه السورة المعنية ، مخاطب به أهل الإسلام ، فلا يكون هذا الكتاب إلا القرآن الذى يخصهم ويعنيهم. وجواب القسم : (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (٧) ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) (٨) ، وهما آيتان من أشد الآيات وقعا على النفس ، وتصدّعان القلب ، وتسلمان إلى الخوف الشديد ، وفى ذلك يقول جبير بن مطعم : لمّا سمعت النبىّ صلىاللهعليهوسلم يقرأ «الطور» فى صلاة المغرب ، أسلمت خوفا من نزول العذاب ، وما كنت أظن أن أقوم من مقامى حتى يقع بى العذاب!
وتتناول سورة الطور موعد وأشراط وعلامات الساعة : فذلك يوم تمور السماء مورا : فتضطرب اضطرابا ، ويموج بعضها فى بعض كموج البحر ؛ ويوم تسيّر الجبال سيرا كسير السحاب : (تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) (النمل ٨٨) ، فيومئذ الويل للمكذّبين ،