الذين جحدوا الدعوة ، وكذّبوا النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وكفروا بالله ، وخاضوا فى القرآن يستهزءون بآياته ، فيوم القيامة يصلون الجحيم ، ويذهلون مما يرون ، وقولهم : (أَفَسِحْرٌ هذا) (١٥) تذكير لهم بما كانوا يتقوّلونه على القرآن ، وعلى النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، فاليوم يقال لهم نفس الشيء : (أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) (١٥) ، وهى طريقة فى الاستفهام ، ومعناه التوبيخ والتقريع ، يوبّخهم على ما كان منهم ، ويتهمهم بأنهم ما كانوا يبصرون ولا يعقلون وهم فى الدنيا. وتقابل السورة بين عذاب هؤلاء المكذّبين وهناء المتّقين ، ومنهج المقابلة هو منهج القرآن ، والمنطق الجدلى هو طريقته فى الحوار ، والمؤمنون ، لأنهم آمنوا ، فهم على عكس الذين كذبوا ، فى جنات النعيم ، فاكهين ، منعمين ، على السرر متقابلين ، ولهم أزواج من الحور العين ، ويلحق بهم ذريتهم ممن اتبعوهم ؛ وتتعدد مشاهد النعيم الحسيّة والمعنوية من المأكل والمشرب ، والهناءة والسرور والطمأنينة والسكينة ؛ وهم فى الجنة يتعبّدون ويذكرون الله ويشكرون ، ولا لغو فى الجنة ولا تأثيم ، وإنها لحياة تجعلهم فى عجب ، فما كانوا يصدّقون وهم فى الدنيا ، أن يكونوا فى هذا النعيم فى الآخرة ، وكانوا يشفقون على أنفسهم من يوم القيامة ، وها هم اليوم قد وقوا عذاب السموم ، أى النار ، واستجاب الله لدعواهم ، وكان بهم برا رحيما. وتخلص السورة من المقارنة إلى أن دور النبىّ صلىاللهعليهوسلم هو أن يذكّر بالقرآن ، بمثل هذه السور والآيات ، ومنها سورة الطور ، وكان كثيرا ما يصلى بالناس يقرأها عليهم. وتنفى السورة عنه اتهاماتهم له بأنه كاهن يؤلف الكلام تأليفا فى الدين والآخرة والحساب ، كشأن الكهّان ، ولا هو مجنون يهذى كشأن المجانين ، ولا هو شاعر يوهم الناس بالكلام والأحلام. وكانوا يمنون أنفسهم أنه ربما يموت فيريحهم موته ، فقيل لهم انتظروا أن يموت كما تشاءون! وكانوا يفخرون أنهم من أولى الألباب وأصحاب الأحلام ، فسخرت منهم السورة : أفهذا إذن ما تأمركم به أحلامكم؟ أم أنتم فى حقيقة الأمر لا عقول لكم ولا أحلام ، فطاش صوابكم وطغوتم؟ أم أنكم تفترون عليه ، وتنسبون له أنه يفتعل هذا القرآن ويتقوّله؟ وتتحداهم السورة إن كان من الممكن أن يتقوّل الإنسان مثل هذا القرآن ، فليتقوّلوا هم مثله؟! وعدّدت السورة كل أنواع البهتان التى رموا بها النبىّ صلىاللهعليهوسلم والقرآن ، وما يزال هذا حتى الآن دأب هؤلاء المكذّبين والجاحدين ، وعهدنا قريب بتقوّلات روايات وزارة الثقافة المصرية ، والجامعة الأمريكية فى مصر ، عن النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وعن القرآن ، وما زالت وكالات الأنباء تنشر وتذيع تخرّصات علماء البيولوجيا عن الاستنساخ ، ويأتى الردّ على هؤلاء الأخيرين بالآية : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) (٣٥) ، فالنعجة دوللى لم يخلقها العلماء من العدم ، ولكنهم صنعوها من المادة التى خلقها الله ،