أف ، وأصحاب النار ، وقصة النبىّ هود مع قوم عاد لعل فيها موعظة لأهل مكة ، وقصة الجن مع القرآن ، وبعض البراهين لوجود الله وإثبات القدرة المطلقة له ، وتختتم بدعوة النبىّ إلى الصبر كما فعل الرسل من أولى العزم ، وبيان أن السورة بلاغ إلى من يهمه الأمر من الناس أجمعين : أن الهلاك الأبدى هو من نصيب الفاسقين.
والسورة من السور التى تبدأ بالحرفين المقطعين (حم) (١) ، وهى سبع سور ، وترتيبها بحسب النزول : غافر ، ثم فصلت ، ثم الشورى ، ثم الزخرف ، ثم الدخان ، ثم الجاثية ، ثم الأحقاف. وهذه الحروف المقطّعة من الإعجاز العلمى للقرآن ، لأن القرآن ليس سوى حروف ، ومنها الكلمات والعبارات التى تؤلّف آياته ، وكأن كتاب الله ككتاب الكون يستويان ، فكلاهما من عناصر من خلق الله. والسورة تبدأ قوية ، فيها التنبيه للغافل والتحذير للّاهى ، بأن هذا الكون بعظمته لا بد أنه لم يخلق عبثا ، وأنه ينبغى أن تكون له غاية ترسّمها خلقه ، وأن يكون له خالق خلقه بفكرة واحدة ، وأنه لا يمكن إلا أن يكون إلها قادرا عالما وواحدا لا شريك له. وهذا القرآن الذى يكون به هذا التنبيه والتحذير هو من لدن الله ، وليس سحرا كما يقولون ، وليس محمد ساحرا ، وما افتراه محمد من عنده ، ولم يكن بدعا من الرسل ، فهو ليس سوى متبع للوحى ، ودليل صدقه صلىاللهعليهوسلم يشهد به هذا الشاهد من بنى إسرائيل ـ قيل هو عبد الله بن سلام ، فليس القرآن سوى كتاب يصادق على ما سبقه من كتب ، ولقد سبقته التوراة ونزلت إماما يؤتمّ بها ، وكانت رحمة للناس بما طرحت من تشريعات تيسّر حياتهم ، والقرآن مثلها ، فلما ذا الإيمان بالتوراة والتكذيب بالقرآن؟ ويحفل القرآن بالوصايا كالتوراة ، وكلها خير وحق ، كالوصية بالوالدين ، أن يحسن إليهما الأبناء ، والسبب أنهما عانيا المشقة حتى ربياه ، فالأم حملت وأرضعت ثلاثين شهرا ، قاست فيها الأمرّين ، فلا أقل من أن يمتن الأبناء للأبوين ويحسنان رعايتهما ، وكل من يشتد عوده عليه واجب حيالهما ، فإذا بلغ الأربعين دعا لنفسه أن يقدره الله أن يشكره تعالى على نعمه عليه وعلى والديه ، وأن يعمل صالحا يرضاه ، وأن يصلح له فى ذريته. وتحديد سن الأربعين للتوبة والإقرار لله بالفضل ، والشكر له على نعمه ، والدعاء للوالدين والذرية ، من الإعجاز العلمى النفسى للقرآن ، فحسب علم الفسيولوجيا وعلم النفس التربوى ، وتقسيمات مراحل النمو ومراحل الحياة ، فإن سن الأربعين هى السن الفاصل ، وهى سن النضج العقلى ، كسن النضج البيولوجى فى الثانية عشرة عند بداية المراهقة ؛ والإنسان السوىّ ، بتعريف سورة الأحقاف : هو المؤمن المقر بالله وبوحدانيته ، والمستقيم على الإيمان ، والشاكر لله ، والممتن لوالديه ، أوصاه الله بهما فعمل بالوصية ، فذلك الذى