يتقبل منه الله عمله بأفضل منه ، ويتجاوز عن سيئاته فى أصحاب الجنة ، وهذا وعده تعالى له وهو وعد صدق. وتضرب السورة المثل للعاق لوالديه وهما يدعوانه إلى الإيمان ، بقصة هذا الذى قبّح والديه وقال لهما أفّ لكما ، وهما يستغيثان الله منه ويقولان : ويلك ، آمن ، وإلا هلكت! فيستهزئ بهما ، ويسخّف دعوتهما إلى الله ، ويصف حكاياتهما عن القيامة والبعث والمعاد ، بأنها ليست إلا أساطير وخرافات من عصور قديمة. وقيل : إن عبد الرحمن بن أبى بكر هو المعنىّ بالولد العاق ، ودحضت عائشة هذه الفرية ، وردّتها إلى الذين افتروها من الأمويين والشيعة ، وعبد الرحمن كان صحابيا من كبار الصحابة ، وروى الحديث ، ولا يطعن فيه أنه أسلم متأخرا فلم يكن إلا كآخرين ، ولكنها رغبة البعض من أصحاب المصلحة فى الطعن فى أبى بكر ، وعائشة من خلال عبد الرحمن ، للتقليل من شأن أبى بكر وعائشة ، وشأن عبد الرحمن ، وكان عبد الرحمن من الرافضين لخلافة يزيد بن معاوية ، وسمّاها قيصرية وهرقلية ، أى وراثة الأبناء للملك عن الآباء ، كما كان الحال مع هؤلاء الملوك الجبابرة من القياصرة ، وليس كما نصّ الإسلام : أن يكون الحكم شورى. والقصة كما هى فى السورة عامة وليست خاصة ، وأمثال هؤلاء من الجاحدين لفضل الآباء ، والمنكرين لله ولنعمه كثيرون فى كل الأمم ، وهم الذين حقّ عليهم قول الله بأنهم أهل النار ، وضل سعيهم وخسروا آخرتهم ، وهم مراتب فى النار ، مثلما أصحاب الجنة مراتب ، وكلّ بحسب عمله. وتضرب السورة المثل بقوم عاد الذين أنذرهم نبيّهم هود بالأحقاف : ألا يعبدوا إلا الله ، وتحدّوه أن يأتيهم بالعذاب ، وكانوا قوما يجهلون ، فاستعجلوا العذاب ، وأتاهم فى السحاب ، رأوه معترض السماء ومتجها إليهم ، واستبشروا به أن يمطرهم ، فخاب أملهم ، وهبت ريح فيها عذاب أليم ، تدمّر كل شىء ، فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ، وكذلك يجزى الله المجرمين. والقصة لتخويف أهل مكة ، فلقد مكّن الله لقوم عاد كما مكّن لأهل مكة فما آمنوا مثلهم وجحدوا آياته. وجحدت قرى كقرى عاد وسبأ وثمود كانت حول مكة ، ودمرت مثلها ، وتكرر بها ما حدث لعاد ، وكانت دلائل وبراهين أخرى لأقوامها ولكنهم كانوا جاهلين ، وأصرّوا على طغيانهم وكفرهم ، فلم تنصرهم آلهتهم لمّا جاءهم العذاب ، فهلّا نصروهم لو كانوا صادقين؟! فذلك إفكهم وما كانوا يفترون. وقصة ثالثة ترويها السورة عن الجن ، وكانوا نفرا من نحو عشرة ، وافوا الرسول عند منصرفه من الطائف ، وكان يصلّى ويتهجّد بالقرآن ، فوقفوا ينصتون مذهولين ، وفى ذلك توبيخ لأهل مكة الذين كانوا بالقرآن يستهزءون ، فلما انتهى الرسول صلىاللهعليهوسلم من تلاوته آمنوا وانصرفوا إلى قومهم يبلّغون ، وقالوا فى القرآن إنه مصدّق لما قبله