وتضرب السورة المثل ببنى إسرائيل ، والأمثال فى القرآن لتسلية النبىّ صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين ، يعنى ليقارنوا بين الأحوال فى المثل وبين أحوالهم ، وليفهموا الحكمة ، ويعوا الدرس ، وبنو إسرائيل أعطاهم الله الكتاب ، وفقّههم فيه ، وآتاهم النبوة فتتابعت النبوة فيهم ، ورزقهم من الطيبات وفضّلهم على العالمين ، فكان منهم ملوك المال فى كافة العصور والأمصار ، وكانت لهم شروح وتفاسير على التوراة بيّنت لهم الأمر أكثر وأوضح وذلك بفضل الله ، إلا أنهم اختلفوا من بعد كل هذا العلم والفضل ، وظلموا أنفسهم ، وبغوا على بعضهم البعض ، وحرّفوا ، وعدّلوا ، وألّهوا أنفسهم بدلا من الله فتعبّدوا شعبهم وتركوا الله ، وصاروا فرقا وجماعات ، فالله يقضى بينهم يوم القيامة فيما اختلفوا فيه ، وأعظم ما اختلفوا فيه كان المسيح ، وهو منهم ، وكان من أنبيائهم ، والاختلاف بينهم وبين النصارى ، أن اليهود لا يعترفون بأن عيسى هو المسيح ، ولذلك فهم لا يزالون ينتظرون ظهور المسيح ، وآذوا عيسى وكثيرا غيره من الأنبياء ، منهم من قتلوه ، ومنهم من عذّبوه. ثم تتطرّق السورة إلى النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، الذى أعلمه الله عن كل ذلك ، وزوّده بالمنهج والطريق والشريعة ، وأمره أن يتّبع ما أنزل عليه ولا يتّبع أهواء الذين لا يعلمون ، ولا يسايرهم على ما يريدون ، ولن يغنى رضاهم عنه من الله شيئا ، وأهل الظلم أشياع وأتباع ، وأولياء وأنصار ، والله مع المتّقين. وتصف السورة القرآن وآياته بأنها بصائر للناس ، يعنى نور وهدى ورحمة للذين يوقنون ، ولا يستوى المجترحين للسيئات والذين آمنوا وعملوا الصالحات ، سواء فى محياهم أو فى مماتهم ، وقوله : (أَمْ حَسِبَ) (٢١) استفهام يفيد الإنكار ، والله تعالى هو الحق ، ولا يخلق إلا الحق ، وما خلق السموات والأرض والكون بأسره إلا بالحق ، ولذلك فلن تجزى عنده كل نفس إلا بما كسبت ، ولا ظلم عنده ، والله لا يهدى الظالمين ، ومن لا يهديه الله فلا هادى له ، والذى اتخذ إلهه هواه ، وعبد ما ترتاح إليه نفسه ، واتخذ ديانة لا تكاليف فيها ، وإلها لا يعاقبه على شىء ، واستمر فى غيّه رغم أنه يعلم أنه على الباطل ، فهذا الذى ختم الله على سمعه وأزاغ قلبه ، وأغشى بصره ، فلا يسمع ولا يدرك ، ولا يعقل ، ولا يرى ، ولا يبصر ، أفمثله يهتدى؟! وقوله تعالى : (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (٢٣) سؤال فيه العقاب الكثير والتوبيخ. ومثل هذا الذى لا يهتدى تصدق عليه الآية : (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) (٢٤) ، وهى مقالة الملحدين ومن يقال لهم «الدهريون» : يدّعون أن الله لا يميتهم وإنما يميتهم الدهر ، أى العمر ، والزمن ، والليل والنهار ، وكلامهم بالظن وليس بالعلم ، وحجتهم داحضة لأنهم طلبوا أن يحضر لهم النبىّ صلىاللهعليهوسلم آباءهم إن كان صادقا ، وكان البعث حقّا! والله يحييهم يوم القيامة ويجمعهم للحساب ، وهو الملك