فى ثلاث وعشرين سنة. وفى السورة أن كل من يؤمن بالقرآن ، يؤمن بالله ، وأنه تعالى ربّ السموات والأرض ، وربّ العالمين ، أى ربّ كل شىء وهو الذى لا إله إلا هو ، يحيى ويميت ، ومن يكفر به فذلك موعده الآخرة يوم العذاب الأليم ، ويوم تمتلئ السماء بالدخان ، ويغطى الأرض ، فلا يكاد يتنفّس الناس ، ويألمون أشد الألم ، وتسمّى السورة يوم القيامة : «يوم البطشة الكبرى» ، ومعنى أنها الكبرى : أن الدنيا فيها بطشات صغرى ، أى نكبات وعذابات ، وبطشة يوم القيامة أو عذاب هذا اليوم ـ هى أكبر البطشات ، ويوم القيامة إذن هو يوم العذاب الأكبر ، وفيه وعده تعالى : (إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) (١٦) ، والانتقام عقاب ، والنقمة من الانتقام ، والفرق بين النقمة والعقاب ، أن العقاب بعد المعصية ، لأنه من العاقبة ، أى يعقبها ، والنقمة قد تكون قبلها أو بعدها ، ولأنها البطشة الكبرى فهى العقاب النهائى أو الختامى ، ولو قال تعالى أنها العقاب ، فإن العقاب يقدّر ، وأما الانتقام فهو غير مقدّر ، رحمنا الله. وفى ذلك اليوم يصرخ الكافرون ويجأرون ويسترحمون ، وأنّى لهم من يرحمهم؟ والرسول صلىاللهعليهوسلم قد جاءهم فى الدنيا بكل بيان ، واسمه «المبيّن» لأنه صلىاللهعليهوسلم بيّن وشرح وفسّر ، وأنذر وبشّر ، ووعد وأوعد ، فلم يتّعظوا ، بل تولوا وقالوا ساخرين «معلّم مجنون»! أى أنه يريد أن يقف منهم موقف المعلّم ، ولكنه لا يعلمهم فى الحقيقة شيئا لأنه مجنون ، أى فاقد العقل. وتتوجه السورة بهذا الكلام لكفّار مكة ، وتنذرهم بقوله تعالى : (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ) (١٥) ، فهم فى عذاب الكفر ، ويكشفه الله قليلا طالما هم فى الدنيا ، ويمتّعهم قليلا ، ثم يكون العذاب الأكبر يوم الساعة ، يوم يعودون إليه ، ويبعثون بعد الموت. وتضرب السورة ثلاثة أمثال لأقوام من الماضى ، لعل كفار قريش يتّعظون ، وفى القصص مع الكفر تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم وللمؤمنين ، ورفع لروحهم المعنوية. وكانت أولى القصص عن قوم فرعون وبنى إسرائيل ، وفيها منى فرعون بالهزيمة ، ونجا بنو إسرائيل ؛ والقصة الأخرى مع الإيمان ، وهى القصة الثانية : وهى قصة عناد وكفر أهل مكة لمّا أنكروا البعث ، كقوله تعالى : (إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٣٦) ؛ والقصة الثالثة : هى قصة قوم تبّع والذين من قبلهم ، ذكرتها السورة عرضا ، وأطلقت على المنكرين أنهم كانوا مجرمين. وقصة فرعون وبنى إسرائيل هى القصة الرئيسية ، ورسالة موسى إلى فرعون أن يؤدّى إليه بنى إسرائيل ، وسمّاهم عباد الله ، وسمّى نفسه الرسول الأمين ، ووصف سلطانه من الله بأنه مبين ، ووعظ فرعون أن لا يعلو على الله وحذّره من الاستكبار ، وغلا فرعون وقضى فى موسى بالقتل ، فاستعاذ بالله أن يرجموه ، وأنذرهم