الكلمة الباقية فى ذريته. وما كانت قريش ببعيدة عن ملّة إبراهيم ، وملل كل الأنبياء ، ولا جهلوا ما فعله بهم أقوامهم ، وقالت قريش لنبيّهم صلىاللهعليهوسلم مثلما قال هؤلاء لأنبيائهم ، ورفضوا أن يتركوا عبادة الأوثان ، ووصفوا القرآن بأنه سحر ، وادّعوا أن النبىّ مسحور ، فلو لا نزّل هذا القرآن على رجل عظيم من مكة أو الطائف ، بدلا من أن ينزل على محمد هذا المغمور؟ وسبحان الله!؟ فهل أصبحت لهم الهيمنة حتى راحوا يوزّعون رحمة الله ، فيجعلون النبوة لهذا ويحجبونها عن ذاك؟! وإنما الله هو الذى له هذا الحق ، وهذه القدرة ، وهو الذى يرفع الناس درجات ليستعمل بعضهم بعضا ، ومن ينكر الله ويجحد الحقّ ، يجعل له الشيطان قرينا ، يصدّه عن السبيل ، ويزيّن له عمله ، ويحسب الذين صدّوا أنهم مهتدون ، فإذا كان يوم القيامة تمنّوا لو كان بينهم وبين القرين بعد ما بين المشرقين. ومثل ذلك كان مع موسى ، فلما أرسل إلى فرعون ضحك فرعون من آياته ، فأنزل الله به العذاب ، فجأر يستصرخ موسى ويقول : يا أيها الساحر ، بما لك عند ربّك من عهد السحر ، ادعه أن يرفع عنا العذاب فنهتدى! فلما رفع عنهم العذاب ما صدّقوا ، وكانوا كاذبين ، وقال فرعون : أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى ، وأنا أفضل من موسى هذا الزرىّ فى ثيابه؟ فلو لا أن يبرهن لنا على صدقه ويهدينا أسورة من ذهب ، أو يستصحب معه بعض الملائكة؟! واستخفّ فرعون قومه فأطاعوه على الكفر ، فانتقم الله منهم وأغرقهم أجمعين. ومريم أم عيسى ضربت مثلا آخر ، وابنها علم للساعة ، أى علامة على قربها ، لأن إحياءه للموتى دليل على الساعة وبعث الموتى ، أو أن نبيّنا لعلم للساعة ، بدليل قوله : «بعثت أنا والساعة كهاتين» وضمّ السبابة والوسطى وما دعاهم عيسى إلا إلى الله ، واختلف الناس عليه ، والويل للذين كذّبوا وافتروا عليه ما لم يقله ، وأما المؤمنون فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، ولأنهم كانوا مسلمين أدخلوا الجنة ، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ، بينما الذين كفروا ينادون على مالك ـ خازن النار ، أن يميتهم ليستريحوا من العذاب!. ولقد جاءهم الله بالحق فكرهوه وعزفوا عنه ، وأبرموا أمرهم ضد الدعوة ، والله يسمع سرّهم ونجواهم. وفى دعوى النصارى أمر نبيّنا صلىاللهعليهوسلم أن يقول : لو كان للرحمن ولد لكان هو ـ محمد ـ أول العابدين له ، فسبحان ربّ العرش عمّا يصفون ، لا ولد له ولا صاحبة! ثم يقول ربّنا معرّفا بنفسه : وهو فى السماء إله ، وفى الأرض إله ، ويعبدونه فى السماء وفى الأرض ـ وهو الحكيم فى تدبيره ، والعليم بخلقه ، تبارك الله الخالق المالك المتصرف ، وعنده علم الساعة ، وإليه يرجع الأمر كله ، ومن يدعون من دونه لا شفاعة لهم عنده إلا من شهد بالحق. ويوم القيامة لئن سئل هؤلاء الذين