بالحرفين المقطّعين (حم) (١) ، تذكيرا بأن القرآن من حروف الأبجدية العادية ، ومع ذلك ظلت آياته معجزة. وسورة الزخرف من الحواميم ، أى السور التى تبدأ بهذين الحرفين حم ، وهى سبع سور. وتبدأ السورة بوصف القرآن ومكانته ، فقالت إنه قرآن عربى ، لأن من أنزل عليهم هم العرب ، ولسانهم عربى مبين ، فلعلهم لذلك يفهمونه ويعقلونه ويؤمنون به. وفى القرآن عموما يأتى أن القرآن عربى فى إحدى عشرة سورة ؛ وفى سورة الزخرف أن القرآن عربى ليتعقّله أهل العربية ، وهو كتاب مصون فى أم الكتاب ـ أى فى اللوح المحفوظ ، وهو كتاب علىّ حكيم ، أى عظيم القدر لما فيه من الحكمة البالغة ، ولإحكامه ، فلا يوجد فيه اختلاف ولا تناقض ، كقوله : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) (٧٨) (الواقعة) ، وقوله : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) (٢٢) (البروج) ، فهل هذا أفضل ، أم كان العرب يتركون دون ذكر ، ويضرب عن تذكيرهم صفحا ، ويسقطهم الله من حسابه ، فلا يعظهم بأى كتاب ، لأنهم أسرفوا فى التكذيب والعصيان؟ بل الأفضل أن يوعظوا ، ولو أن هذا القرآن ردّ لهلكوا ، ولكنه برحمته تعالى ظل يكرره عليهم مدة عشرين سنة ، ليهتدى به من يهتدى ، وتقوم به الحجة على من كتبت عليهم الشقاوة. ويقول الله تعالى للنبىّ صلىاللهعليهوسلم ، تسلية له : ما أكثر من أرسلوا من الأنبياء ، وما أكثر ما كذّبوا واستهزئ بهم ، وما كانت دعوتهم إلا إلى الله ، ولو سئلوا : من خالق السموات والأرض لقالوا الله ، ولأقرّوا له بالإيجاد ، ولكنهم عند ما عبدوا توجّهوا لغيره ، جهلا وسفها. وقدّم تعالى الدليل على صدق البعث ، فضرب المثل بالمطر ينزل على المكان الجدب فتنمو به النباتات فيضج بالحياة ، فكذلك النشور. ومع ذلك كفروا بالله ، وجعلوا مما خلق أولادا له ، فقالوا : الملائكة بنات الله ، فما أشدّ كفر الإنسان؟! وما أشدّ جهله حين يخص الله بالبنات ويجعل لنفسه البنين؟! مع أنه إذا بشّر بالأنثى اسودّ وجهه ، وكظم غيظه وغضبه ، وليس البنات كالبنين ، لأن البنت تربّى فى الحلية ـ أى الزينة ـ ولا تقوى على الجدل إذا قامت تدافع عن نفسها بالكلام ، والمعنى أن الأنثى ضعيفة لا تقوى على الانتصار لنفسها. وادّعوا أنهم ما عبدوا الملائكة إلا لأن الله شاء لهم ذلك ، فكيف يشاء أن تعبد الأصنام أو الملائكة؟ وما تكلموا الحق وإنما يخرصون ويكذبون. وادّعوا أنهم ما عبدوا إلا ما عبده آباؤهم ، وهذه حجة المترفين فى كل زمان ومكان : أنهم على ما كان عليه آباؤهم ، فهل لو جىء لهم بأهدى مما كان عليه آباؤهم ، هل كانوا سينبذونه ويرفضونه؟ ومثل هؤلاء كمثل قوم إبراهيم ، وكانوا يعبدون الأصنام ، فما صنع إبراهيم صنيعهم ، ولا قلّدهم ، وإنما تبرّأ مما عبدوا ، وأعلن أن الله إلهه ، وهو الذى فطره ، وجعل كلمة «لا إله إلا الله» هى