إلى نبيّه الكريم ، وتنزّلت عليه قرآنا ، ولم يكن النبىّ صلىاللهعليهوسلم بدعا بين الرسل أن أوحى الله إليه ، فقد أوحى إلى رسل آخرين من قبله ، وهذا القرآن لسانه عربى لأنه مرسل إلى العرب ، ولينذر به الرسول صلىاللهعليهوسلم أم القرى مكة وما حولها ، بأن يوم القيامة ـ يوم الجمع ـ لا ريب فيه ، وأن الناس فى ذلك اليوم فريقان : فريق فى الجنة ، وفريق فى السعير ـ أى جهنم ؛ ولو شاء الله لجعل الناس جميعا على دين واحد ، وما يختلفون فيه مردّه لله الذى ليس كمثله شىء ، وليس كذاته ذات ، ولا كاسمه اسم ، ولا كفعله فعل ، ولا كصفته صفة ؛ ودينه تعالى المشرّع للناس هو ما وصّى به نوحا ، ومحمدا ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى : أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه. فمن كان من الناس يريد حرث الآخرة يزد الله له فى حرثه ، أى يوفّقه للعبادة ويسهّلها عليه ، ومن كان يريد حرث الدنيا يؤته منها وما له فى الآخرة من نصيب ، وحرث الدنيا هو المال. ويوم القيامة يشفق الظالمون مما كسبوا ، ويدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات روضات الجنات ، لهم ما يشاءون عند ربّهم. وما محمد إلا رسول ، ولم يسأل الناس أجرا على إبلاغه لرسالته ، وما كان يرجو منهم إلا (الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٣) ، وأن يراعوا قرابتهم به فيصدّقوه ، وينتهوا عن القول بأنه افترى القرآن على الله ، ولو افتراه لختم الله على قلبه فأنساه القرآن ، وسلبه من صدره ، كقوله تعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) (٤٦) (الحاقة). ولو بسط الله الرزق لعباده فى الأرض لبغوا ، وإنما ينزّل الأرزاق بقدر وحكمة ، وفى الحديث القدسى : إنّ من عبادى ما لا يصلحه إلا الغنى ، ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه. وإن من عبادى من لا يصلحه إلا الفقر ، ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه». وما يصاب الناس من مصائب فى النفس والمال إلا بسبب معاصيهم ، وعبّر الله تعالى بالأيدى فقال : (فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (٣٠) لأن أكثر الأفعال تزاول بها ، وهو تعالى يعفو عن كثير فلا يعاقب عليه ، ولو يؤاخذهم بكل ما كسبوا لهلكوا ، وفى الحديث : «ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء فى الدنيا فبما كسبت أيديكم ، والله أكرم من أن يثنّى عليكم العقوبة فى الآخرة ، وما عفا عنه فى الدنيا فالله أحلم من أن يعاقب به بعد عفوه». ولمّا نزلت هذه الآية قال النبىّ صلىاللهعليهوسلم : «ما من اختلاج عرق ولا خدش عود ، ولا نكبة حجر إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر». ونظير ذلك قوله تعالى : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) (النساء ١٢٣). وخيرات الدنيا كثيرة ، ومتعها لا حدّ لها ، وما يؤتى الناس من ذلك من غنى وسعة إنّ هو إلا لأيام وتنقضى ، وما عند الله هو الباقى ، والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش هم المؤمنون حقا ، وجزاؤهم الجنة ؛ والفواحش والكبائر بمعنى واحد ، وهى المعاصى ؛ وقيل كبائر الإثم هى الشرك ، والفواحش