قيل مثله من قبل لمن سبقوه من الرسل ، وهذا القرآن تنزّل باللسان العربى وليس بالأعجمى ، ولو قد تنزل بلغة غير عربية لطلبوا أن يكون بالعربية ؛ وليس فيه باطل ، وهداه هو الهدى ، وفيه شفاء لقلوب الناس وعقولهم من الشك. ومثلما عابوا على النبىّ صلىاللهعليهوسلم القرآن عابوا على موسى التوراة ، واختلفوا فيه ولو لا أن الله قد سبق منه الحكم بإمهال الكافرين لعجّل لهم بالعذاب ، إلا أن وقت العذاب هو الساعة ، وعلمها عنده ، ومن يعمل صالحا فلنفسه ، ومن يعمل السيئة فعليها ، ويوم القيامة يضلّ عنهم ما كانوا يدعون قبلا ، ويعلمون أنه لا محيص من النار ، وسيظل الله يطلع الناس كل يوم على الجديد من الكشوف فى الكون وفى أنفسهم ، كعلامة على وجوده وقدرته ووحدانيته ، إلى أن يتبيّن لهم أنه الحق أو تكون الساعة ، وهو تعالى يكفى عباده الأدلة والعلامات ، وسيشهد عليهم ، ولكنهم فى شك من لقاء الله ، وهو تعالى المحيط بكل شىء علما وقدرة ، وهو المحصى والمطّلع على كل شىء. والحمد لله ربّ العالمين.
* * *
٦٢٣. سورة الشورى
السورة مكية ، نزلت بعد سورة فصّلت ، وآياتها ثلاث وخمسون آية ، وترتيبها فى المصحف الثانية والأربعون ، وفى التنزيل الثانية والستون ؛ وقيل من آياتها أربع آيات نزلت فى المدينة ، هى : ٢٣ و ٢٤ و ٢٥ و ٢٧ ؛ واسمها الشورى من قوله تعالى فيها : (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) (٣٨) ، فكانت للشورى مكانة كبيرة فى الإسلام ، فلا يبرم المسلمون أمرا من مهام الدنيا والدين إلا بعد المشورة ، ويأخذون بها ، فكانت الآية تعليما للمسلمين أن يقيموا حياتهم على منهج الشورى ، فلا يستأثر بعضهم بالحكم دون الآخرين ، وما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد الحلول والطرق ، وأمر النبى صلىاللهعليهوسلم بالشورى ، قال تعالى : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) (١٥٩) (آل عمران) ، وتشاور الصحابة فى الخلافة ، وفى أمر أهل الردة ، وفى الزواج والطلاق والميراث ، وفى حدّ الخمر وعدده ، وفى الحروب. وتبدأ سورة الشورى بالحروف المقطعة (حم (١) عسق) (٢) ، فكانت إحدى سور سبع تبدأ بالحرفين «حم» ، وكانت الوحيدة التى قطع بين (حم) (١) (عسق) (٢) ، على خلاف سورة مريم التى بدأت بالحروف المقطعة (كهيعص) (١). غير مفصولة عن بعضها البعض. والحروف المعجمة فى القرآن التى تبدأ بها بعض السور واحدة فى معناها ، فهى إشارة إلى إعجاز القرآن ، وأنه مؤلف من هذه الحروف التى يتقنها الجميع ، ومع ذلك لم يفلح واحد أن يأتى بآية مؤلّفة من هذه الحروف كآيات القرآن ، والله تعالى يقسم بها كما يقسم بآيات الكون ، وجواب القسم أن هذا القرآن المؤلّف من هذه الحروف هو وحىّ من الله العزيز الحكيم إلى