قلوبهم فى أكنّة ، يعنى لا تتأثر بشيء ؛ وآذانهم فيها وقر ، يعنى لا يسمعونه ؛ وبينهم وبين النبىّ صلىاللهعليهوسلم وهو يتلوه عليهم ـ حجاب فلا يرونه ، ولا يدرون به. والنبىّ صلىاللهعليهوسلم بشر مثلهم ، ولقد آمن مع ذلك ، ولأنهم بشر فكان يتوقع أن يتعاطفوا معه ، وما ينقله إليهم هو وحىّ من الله ، وما يقوله لهم ليس إلا كلاما طيبا لا يستفيد هو به ، وفائدته عليهم إذا آمنوا ، ورسالته إليهم أن هذا الكون له إله ، وأنه واحد ، فليستقيموا وليتوجّهوا إليه ، وليستغفروه ، والويل للمشركين ، وأمّا من آمن وعمل صالحا فلهم أجر غير مقطوع ولا محسوب. والعجيب أن يكون كفرهم بالله خالق الأرض فى يومين ، والذى قدّر أقواتها فى يومين ، وقضى السموات السبع فى يومين ، وكان الأحرى بهم أن يخشونه ، لأنه قادر أن يدمرهم تدميرا ، مثلما فعل بعاد وثمود ، فعاد أهلكهم بريح صرصر فى أيام نحسات ، لأنهم استكبروا فى الأرض واستعلوا على الناس ، وجحدوا بآيات الله ؛ وثمود استحبّوا العمى على الهدى ، فأخذتهم الصاعقة بعذاب مهين ، ونجّى الله المؤمنين. والذين يكفرون يحشرون يوم القيامة إلى النار ، ويوزعون ويدفعون ، لأنهم أعداء الله ، وتشهد عليهم جلودهم وسمعهم وأبصارهم بما كانوا يعملون ، وبما كانوا يستترون من الله ، وكان لهم فى الدنيا القرناء يزينون لهم الشر ، ودأبوا عليه حتى استحقوا النار مثوى لهم ، لا محيص لهم عنها ، ولا هم يستعتبون ويسترضون. وكانوا لا يسمعون للقرآن ، ويحضّون الآخرين على عدم السماع لتلاوته ، وأن يلغوا فيه بالتشويش ، ويوم القيامة يتمنون لو يضعوا أيديهم على قرنائهم ليدوسوا عليهم ويجعلوهم تحت أقدامهم سافلين. وأمّا الذين قالوا ربّنا الله ثم استقاموا فلهم الجنة والله وليّهم فى الدنيا والآخرة ، ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وإلى الإسلام وعمل صالحا ، ولا تستوى الكلمة الحسنة من الداعية والكلمة السيئة من الكافر ، والداعية عليه أن يدفع بأحسن الكلام ، والدفع به هو منهج القرآن ، وهو السبيل لإنهاء العداوة واكتساب محبة الناس ، وهذا المنهج وتلك الطريقة لا يتقنها ولا يحسنها إلا من تدرّب عليها وصبر ، وإذا صارت له فهى من حظّه العظيم ، وإذا الداعية وسوس إليه الشيطان ليوقعه فى مكايده فليستعذ بالله. ومن آياته تعالى أن خلق الليل والنهار والشمس والقمر ، والشمس والقمر آيتان لا يتعبّد لهما وإنما التعبّد لله خالقهما. والمتكبّرون كإبليس يرفضون الإسلام لأن فيه السجود لله ، وهم لا يريدون السجود ، والله مستغن عنهم ، وله الملائكة فى السموات يسبّحون بالليل والنهار ولا يسأمون. وهذا القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فهو عزيز ، أعزّه الله ، ويمتنع على الناس أن يقولوا مثله ، وأن يحرّفوه ويبدّلوه ، وما كان الرسول بدعا بين الرسل ، وما قيل له من الرفض والجحود ،