نموذجا من القصص ، بعضها يقصّه الله على نبيّه ضمن القرآن ، وبعضها لم يقصه. وتختتم السورة كما بدأت ، ببيان مصارع المكذّبين ، وصدق الله فى قوله عن نفسه أنه تعالى : (غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (٣) ، فكل من كذّب وفرح بما عنده من العلم سيحيق به حتما ما كان به يستهزئ ، ولمّا يرى العذاب فعندئذ سيؤمن ، فما ينفعه إيمانه لمّا رأى عذاب الله ، وهذه سنّة الله فى عباده ، والكافرون هم الخاسرون.
وفى السورة من المصطلحات : أن «حملة العرش» هم المستغفرون للناس ، وهم أشراف الملائكة ؛ و «العرش» هو الكون كله والوجود بأسره ؛ وفى قوله تعالى : (فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (١٤) أن من شرط الدعاء الإخلاص فيه ؛ و «يوم الآزفة» ، و «يوم التلاق» ، و «يوم التناد» من أسماء يوم القيامة ؛ وفى السورة أن الجدل نوعان : جدل بالباطل يقال له «الجدال» ، وجدل بالحق وهو «الحجاج» ، نسأل الله الهداية ، وأن يتقبّل منّا ، وله الحمد والمنّة.
* * *
٦٢٢. سورة فصّلت
السورة مكية ، وآياتها أربع وخمسون آية ، وترتيبها فى المصحف الواحدة والأربعون ، وفى التنزيل الواحدة والستون ، وكان نزولها بعد سورة غافر ، واسمها «فصّلت» بسبب ابتدائها بالآية : (فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٣) ، ومعنى «فصّلت» بيّنت ووضّحت ، فتميز بها الحلال من الحرام ، والحق من الباطل ، تقول : فصّل الكلام أى بيّنه ، ضد أجمله ؛ والآيات فى السورة مفصّلة ، وعكس ذلك أن تكون مجملة ، والدلائل فيها موضّحة لقدرته تعالى ووحدانيته ، وتستفتح بالحرفين المقطّعين حم ، تنبيها إلى أن القرآن مؤلّف من الحروف الأبجدية العربية ، وهى حروف معروفة للجميع ، ومع ذلك لم يستطع أحدهم أن يركّب منها آية واحدة ، دليلا على إعجاز القرآن ، وأن منزّله هو الله تعالى ، وأن مبلّغه لا بد أن يكون نبيّا. والسورة إحدى سور سبع تبدأ بالحرفين حم ، أولا غافر ، ثم فصّلت ، فالشورى ، فالزخرف ، فالدخان ، فالجاثية ، فالأحقاف. وتنزّلها (مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (٢) تقريرا لهذه الحقيقة ، أنه لو لا رحمة ربّك ما تنزّل القرآن بالكلية ، وهو الكتاب المفصّل الآيات ، والعربى اللغة ، الذى جاء قوما يعلمون هذه اللغة واشتهروا بها ، ومع علمهم بها فقد عجزوا عن مثله ، ولو كان القرآن غير عربى لما علموه. والسورة تقريع وتوبيخ وتحدّ لقريش فى إعجاز القرآن ، فقد أعرضوا عنه وادّعوا ثلاثة ادعاءات : أن