فلا ينبغى أن يغرّ أحد بالحياة الدنيا ، وغرورها أن يشتغل بنعيمها ولذّاتها عن عمل الآخرة ، فلا يغرنّه بالله الغرور ، والغرور هو الباطل ، والشيطان عدو للإنسان فليتخذه عدوا ، فلا يطيعه ؛ والشيطان لا يدعو إلا حزبه ، وهم جماعته وأشياعه ؛ وقوله تعالى لنبيّه : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) (٨) من الكلام العربى الطريف ، وينهى فيه نبيّه أن يغتم بمن يحسن عمله السيئ فى نظره ، ومثله قوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ) (٦) (الكهف) ، وسوء العمل هو معاندة الله ورسوله. والنشور ـ أى البعث ـ الذى ينكرونه ، وهو كإرسال الرياح تثير السحاب وتسوقه إلى بلد ميت ، فيمطر وتحيا به الأرض بعد موتها ، أى تبعث ، والصورة كما ترى ـ بديعة ، وتدل على قدرته تعالى ، فالأوفق أن يؤمن الإنسان ، وعزّته فى الإيمان به تعالى ، ولا ذلّ مع عزّة الله ، ومن أحبه الله يعزّه فى الدنيا والآخرة. وكل كلام طيّب يصعد إلى الله ، ويرفع العمل الصالح ، وما لم يرفق الكلام الطيّب بعمل صالح فإنه لا يرتفع إلى الله ، والعمل الصالح شرط فى قبول القول الطيب. والذين يمكرون السيئات هم أصحاب الرياء ، ومكرهم يبور ، يعنى يهلك ويبطل. ومن التراب كان أصل الإنسان ، ثم كان نطفة ، ثم يكون الناس أزواجا ، وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه تعالى ، وما يعمّر من معمّر ، ولا ينقص من عمره ، إلا فى كتاب ، والنقصان هو ما يمضى من العمر ، وأما ما يستقبل فهو الذى يعمره ، وقيل المنقوص من عمره هو من يموت قبل الستين. والله خلق البحر المالح والنهر العذب ، ومن كلّ نأكل اللحم الطرى ، ونستخرج الحلى نلبسها ، وتمخرهما البواخر. وهو الذى يولج الليل والنهار ، وسخّر الشمس والقمر ، وما يعبدون من دون الله لا يخلقون قطميرا ، والقطمير القشرة بين النواة والتمرة وهى أتفه شىء فيها. ومن يدعون من دونه لا يسمعون الدعاء ، ولا يستجيبون له ، ويوم القيامة يكفرون بشركهم. والناس هم الفقراء إلى الله ، وإن يشأ يذهبهم ويأت بخلق جديد ، وهم مجزيون بأعمالهم ، إن خيرا فخير ، ولا يستوى الأعمى والبصير ، ولا الظلمات ولا النور ، ولا الظل ولا الحرور. والحرور لا يكون إلا مع شمس النهار ، والسموم يكون بالليل. وما يستوى الأحياء ولا الأموات ، ولا العقلاء والجهّال ، وهذه كلها أمثال ، وما يسمع أهل القبور ، وما محمد إلا نذير وبشير ، ودلائل قدرته تعالى لا حصر لها ، فالثمار من كل لون ، والجبال منها البيض والحمر والسود كأنها الغربان ، والناس والدواب والأنعام أصناف ، ولا يتنبه لذلك إلا أهل العلم ، ولذا فهم أخشى الناس لله ، ولن تبور تجارة من يؤمن بالله ويعمل الصالحات ، فإنه اشترى الآخرة بالدنيا ، فربح وفاز. والقرآن حق ،